وجَوَّزَ الشيخُ أَنْ تكونَ "ما" موصولةً في الموضعين، والتقدير: لتنذِرَ قوماً العقابَ الذي أتاهم مِنْ نذيرٍ مِنْ قبلك. و"مِنْ نذير" متعلقٌ بـ "أَتاهم" أي: أتاهم على لسانِ نذيرٍ مِنْ قبلِك، وكذلك ﴿لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ﴾ أي: العقابَ الذي أُنْذِرَه آباؤهم. فـ "ما" مفعولةٌ في الموضعين، و"لِتُنْذرَ" يتعدَّى إلى اثنين. قال تعالى: ﴿فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً﴾. وهذا القولُ جارٍ على ظواهر القرآن. قال تعالى: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ ﴿أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ﴾. قلت: وهذا الذي قاله ظاهرٌ.
ويظهر أنَّ في الآية الأخرى وجهاً آخرَ: وهو أَنْ تكونَ "ما" مصدريةً تقديرُه: لتنذِرَ قوماً إنذاراً مثلَ إنذارِ آبائِهم؛ لأنَّ الرسلَ كلَّهم متفقون على كلمة الحق.
* ﴿ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾
قوله: ﴿ثُمَّ يَعْرُجُ﴾: العامَّةُ على بنائِه للفاعل. وابنُ أبي عبلة على بنائِه للمفعول. والأصلُ: يُعْرَجُ به، ثم حُذِفَ الجارُّ فارتفع الضميرُ واستتر. وهو شاذٌّ يَصْلُحُ لتوجيهِ مثلِها.
قوله: "مِمَّا تَعُدُّون" العامَّةُ على الخطاب. والحسن والسلميُّ وابنُ وثَّاب والأعمش بالغَيْبة. وهذا الجارُّ صفةٌ لـ "أَلْف" أو لـ "سَنة".
* ﴿ ذالِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾
(١٢/٥)
---


الصفحة التالية
Icon