قوله: "خَلَقَه" قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بسكونِ اللام. والباقون بفتحها. فأمَّا الأُولى ففيها أوجهٌ، أحدُها: أن يكونَ "خَلْقَه" بدلاً مِنْ "كلَّ شيء" بدلَ اشتمالٍ مِنْ "كلَّ شيءٍ"، والضميرُ عائدٌ على كل شيء. وهذا هو المشهورُ المتداوَلُ. الثاني: أنه بدلُ كلٍ مِنْ كل، والضميرُ على هذا عائدٌ على الباري تعالى. ومعنى "أحسن": /حَسَّن؛ لأنه ما مِنْ شيءٍ خَلَقَه إلاَّ وهو مُرَتَّبٌ على ما تَقْتَضيه الحكمةُ، فالمخلوقاتُ كلُّها حسنةٌ. الثالث: أن يكونَ "كلَّ شيءٍ" مفعولاً أول، و"خَلْقَه" مفعولاً ثانياً على أَنْ يُضَمَّن "أحسَنَ" معنى أَعْطى وأَلْهَمَ. قال مجاهد: "أعطى كلَّ جنسٍ شكله". والمعنى: خَلَقَ كلَّ شيءٍ على شكلِه الذي خصَّه به. الرابع: أن يكون "كلَّ شيء" مفعولاً ثانياً قُدِّم، و"خَلْقَه" مفعولاً أول أُخِّر، على أَنْ يُضَمَّنَ "أَحْسَنَ" معنى أَلْهَمَ وعَرَّف. قال الفراء: "ألهم كلَّ شيءٍ خَلْقَه فيما يحتاجون إليه فيكونُ أَعْلَمهم ذلك". قلت: وأبو البقاء ضَمَّن أحسنَ معنى عَرَّف. وأَعْرَبَ على نحوِ ما تقدَّم، إلاَّ أنه لا بُدَّ أن يُجْعَلَ الضميرُ لله تعالى، ويُجعلَ الخَلْقُ بمعنى المَخْلوق أي: عَرَّف مخلوقاتِه كلَّ شيءٍ يحتاجون إليه، فيَؤول المعنى إلى معنى قولِه: {أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى
(١٢/٧)
---


الصفحة التالية
Icon