واعلَمْ أنَّ لفظَ "غير" مفردٌ مذكرٌ أبداً، إلا أنه إنْ أريد به مؤنثٌ جاز تأنيثُ فعلِه المسندِ إليه، تقول: قامت غيرُك، وأنت تعني امرأة، وهي في الأصل صفةٌ بمعنى اسم الفاعل وهو مغايرٌ، ولذلك لا يتعرَّف بالإضافة، وكذلك أخواتُها، أعني نحوَ: مثل وشِبْه وشبيه وخِدْن وتِرْب، وقد يُستثنى بها حَمْلاً على "إلاّ"، كما يوصف بإلاّ حَمْلاً عليها، وقد يُرَاد بها النفيُ كـ لا، فيجوز تقديمُ مهمولِ معمولها كما يجوز في "لا" تقول: أنا زيداً غيرُ ضاربٍ، أي غير ضاربٍ زيداً، ومنه قول الشاعر:
٨١- إنَّ أمرأً خَصَّني عَمْداً مودَّتَه * على التنائي لَعِنْدي غيرُ مَكْفورِ
تقديرُه: لغيرُ مكفورٍ عندي، ولا يجوز ذلك فيها إذا كَانَتْ لغير النفي، لو قلت: جاء القومُ زيداً غيرَ ضاربٍ، تريد: غيرَ ضاربٍ زيداً لم يَجُزْ، لأنها ليست بمعنى "لا" التي يجوز فيها ذلك على الصحيح من الأقالِ في "لا". وفيها قولٌ ثانٍ يمنعُ ذلك مطلقاً، وقولٌ ثالثٌ: مفصِّلٌ بين أن تكونَ جوابَ قَسَمٍ فيمتنعَ فيها ذلك وبين أن لا تكونَ فيجوزَ.
وهي من الألفاظ الملازمة للإضافة لفظاً أو تقديراً، فإدخالُ الألفِ واللامِ عليها خطأٌ.
وقرئ "غيرَ" نصباً، فقيل: حالٌ من "الذين" وهو ضعيفٌ لمجيئهِ من المضافِ إليع في غير المواضعِ الجائزِ فيها ذلك، كما ستعرِفُه إن شاء الله تعالى، وقيل: من الضمير في "عليهم" وقيل: على الاستثناءِ المنقطعِ، ومنعه الفراء قال: لأن "لا" لا تُزاد إلا إذا تقدَّمها نفيٌ، كقوله:
٨٢- ما كان يَرْضَى رسولُ الله فِعْلَهما * والطيبان أبو بكرٍ ولا عُمَرُ
وأجابوا بأنَّ "لا" صلةٌ زائدةٌ، مِثْلُها في قوله تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ﴾ وقول الشاعر:
٨٣- وما ألومُ البيضَ إلاَّ تَسْخَرا *.................................
وقول الآخر:
٨٤- وَيلْحَيْنَني في اللهو ألاَّ أُحِبُّه * وللَّهوِ داعٍ دابٌ غيرُ غافلِ
وقول الآخر:
(١/٤٧)
---