قوله: ﴿مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ﴾ يجوزُ أَنْ تكونَ "ما" هذه بمعنى الذي، وأَنْ تكونَ نكرةً موصوفةً. والعائدُ على الوجهين مقدَّرٌ أي: ما أُنْذِرَه آباؤهم فتكونُ "ما" وصلتُها أو وَصْفُها في محلِّ نصب مفعولاً ثانياً لقولِه: "لتُنْذِرَ" كقولِه: ﴿إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً﴾ والتقدير: لتنذرَ قوماً الذي أُنْذِرَه آباؤهم مِن العذابِ، أو لتنذرَ قوماً عذاباً أُنْذِرَه آباؤهم. ويجوز أَنْ تكونَ مصدريةً أي: إنذارَ آبائهم أي: مثلَه. ويجوزُ أَنْ تكونَ نافيةً، وتكونُ الجملةُ المنفيةُ صفةً لـ "قوماً" أي: قوماً غيرَ مُنْذَرٍ آباؤهم. ويجوزُ أَنْ تكونَ زائدةً أي: قوماً أُنْذِر آباؤهم، والجملةُ المثبتةُ أيضاً صفةٌ لـ "قوماً" قاله أبو البقاء وهو مُنافٍ للوجهِ الذي قبلَه.
* ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا فِيا أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ ﴾
قوله: ﴿فَهِىَ إِلَى الأَذْقَانِ﴾: في هذا الضميرِ وجهان، أحدهما: - وهو المشهورُ - أنه عائدٌ على الأَغْلال، لأنها هي المُحَدَّثُ عنها، ومعنى هذا الترتيبِ بالفاءِ: أن الغِلَّ لغِلَظِه وعَرْضِه يَصِلُ إلى الذَّقَنِ لأنه يَلْبَسُ العُنُقَ جميعَه. الثاني: أن الضميرَ يعودُ على الأَيدي؛ لأنَّ الغِلَّ لا يكونُ إلاَّ في العُنُقِ واليدين، ولذلك سُمِّي جامِعَةً. ودَلَّ على الأيدي هذه الملازَمَةُ المفهومةُ من هذه الآلةِ أعني الغِلَّ. وإليه ذهب الطبري. إلاَّ أنَّ الزمخشريَّ قال: "جعل الإِقْماحَ نتيجةَ قولِه: ﴿فَهِىَ إِلَى الأَذْقَانِ﴾ ولو كان للأيدي لم يكن معنى التَّسَبُّبِ في الإِقماحِ ظاهراً. على أنَّ هذا الإِضمارَ فيه ضَرْبٌ من التعسُّفِ وتَرْكِ الظاهر"./
(١٢/١٤٨)
---