قوله: "والقرآنِ" قد تقدَّم مثلُه في ﴿يسا وَالْقُرْآنِ﴾، وجوابُ القسم فيه أقوالٌ كثيرةٌ، أحدها: أنه قولُه: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ﴾، قاله الزجاج والكوفيون غيرَ الفراءِ. قال الفراء: "لا نجده مستقيماً لتأخيره جداً عن قولِه: "والقرآن". الثاني: أنه قولُه: "كم أهلَكْنا" والأصلُ: لكم أهلَكْنا، فحذف اللامَ كما حَذَفها في قولِه: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ بعد قولِه: ﴿وَالشَّمْسِ﴾ لَمَّا طال الكلام. قاله ثعلبٌ والفراء. الثالث: أنه قولُه: ﴿إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرٌّسُلَ﴾ قاله الأخفش. الرابع: أنه قولُه: "صاد"؛ لأنَّ المعنى: والقرآنِ لقد صدق محمد. قاله الفراء وثعلب أيضاً. وهذا بناءً منهما على جوازِ تقديمِ جوابِ القسم، وأنَّ هذا الحرفَ مُقْتَطَعٌ مِنْ جملةٍ هو دالٌّ عليها. وكلاهما ضعيفٌ. الخامس: أنه محذوفٌ. واختلفوا في تقديره، فقال الحوفي:/ تقديرُه: لقد جاءَكم الحقُّ، ونحوُه. وقَدَّره ابن عطية: ما الأمرُ كما يَزْعمون. والزمخشري: إنه لَمُعْجِزٌ. والشيخ: إنَّك لمن المُرْسَلين. قال: "لأنه نظيرُ ﴿يسا وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ وللزمخشري هنا عبارةٌ بشعةٌ جداً. وهي: "فإنْ قلتَ: قولُه: ص والقرآنِ ذي الذكر بل الذين كفروا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ كلامٌ ظاهرُه متنافٍ غيرُ منتظِمٍ. فما وجهُ انتظامِه؟ قلت: فيه وجهان، أَنْ يكونَ قد ذكر اسمَ هذا الحرفِ من حروفِ المعجمِ على سبيلِ التحدِّي والتنبيه على الإِعجازِ كما مَرَّ في أَول الكتاب، ثم أتبعه القسمَ محذوفَ الجواب لدلالةِ التحدِّي عليه، كأنه قال: والقرآنِ ذي الذِّكْرِ إنه لَكلامٌ مُعْجِزٌ. والثاني: أَنْ يكونَ "صاد" خبرَ مبتدأ محذوفٍ على أنها اسمٌ للسورةِ كأنه قال: هذه صاد. يعني هذه السورةَ التي أعْجَزَتِ العربَ والقرآنِ ذي الذِّكْر، كما تقول: "هذا حاتِمٌ واللَّهِ" تريد: هو المشهورُ بالسَّخاءِ واللَّهِ، وكذلك إذا أقسمَ بها


الصفحة التالية
Icon