(١٢/٢٢٩)
---
كأنَّه قال: أَقْسَمْتُ بصاد والقرآنِ ذي الذِّكْر إنه لَمُعْجِزٌ. ثم قال: بل الذين كفروا في عِزَّةٍ واستكبارٍ عن الإِذعانِ لذلك والاعترافِ، وشِقاقٍ لله ورسوله، وإذا جَعَلْتَها مُقْسَمَاً بها، وعَطَفْتَ عليها ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ جازَ لك أَنْ تريدَ بالقرآنِ التنزيلَ كلَّه، وأَنْ تريدَ السورةَ بعينِها. ومعناه: أُقْسِمُ بالسورةِ الشريفة: والقرآنِ ذي الذِّكْر كما تقولُ: مَرَرْتُ بالرجلِ الكريم والنَّسْمَةِ المباركة، ولا تريد بالنَّسْمَةِ غيرَ الرجلِ".
* ﴿ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ﴾
قوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾: إضْرابُ انتقالٍ من قصةٍ إلى أخرى. وقرأ الكسائيُّ في روايةِ سَوْرة وحماد بن الزبرقان وأبو جعفر والجحدري "في غِرَّةٍ" بالغَيْن معجمةً والراءِ. وقد رُوي أن حماداً الراوية قرأها كذلك تصحيفاً، فلمَّا رُدَّتْ عليه قال: "ما ظنَنْتُ أنَّ الكافرين في عِزَّة" وهو وهمٌ منه؛ لأن العِزَّةَ المُشارَ إليها حَمِيَّةُ الجاهلية. والتنكيرُ في "عزَّة وشِقاق" دلالةً على شِدَّتِهما وتَفاقُمهما.
* ﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾
قوله: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾: "كم" مفعولُ "أهلَكْنا"، و"مِنْ قَرْنٍ" تمييزٌ، و"مِنْ قبلِهم" لابتداء الغاية.
قوله: "ولات حين" هذه الجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ فاعل "نادَوْا" أي: استغاثوا، والحالُ أنه لا مَهْرَبَ ولا مَنْجى.
وقرأ العامَّةُ "لاتَ" بفتح التاء و"حينَ" بالنصبِ، وفيها أوجهٌ، أحدها: - وهو مذهبُ سيبويه - أنَّ "لا" نافيةٌ بمعنى ليس، والتاءُ مزيدةٌ فيها كزيادتِها في رُبَّ وثَمَّ، ولا تعملُ إلاَّ في الأزمان خاصةً نحو: لاتَ حينَ، ولات أوان، كقوله:
٣٨٣٠- طلبُوا صُلْحَنا ولاتَ أَوانٍ * فَأَجَبْنا أنْ ليسَ حينَ بقاءِ
وقول الآخر:
(١٢/٢٣٠)
---