وقد تقدَّم هذا في أوائلِ البقرة. و"هنالك" يجوز فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يكونَ خبر الجند و"ما" مزيدةٌ و"مَهْزُوم" نعتٌ لـ "جُنْد" ذكره مكيٌّ. الثاني: أَنْ يكون صفةً لـ "جند". والثالث: أَنْ يكونَ منصوباً بمهزوم. ومَهْزوم يجوزُ فيه أيضاً وجهان، أحدهما: أنه خبرٌ ثانٍ لذلك المبتدأ المقدرِ. والثاني: أنه صفةٌ لـ "جُنْد" إلاَّ أنَّ الأحسنَ على هذا الوجهِ أَنْ لا يُجْعَلَ "هنالك" صفةً بل متعلقاً به، لئلا يَلْزَمَ تقدُّم الوصفِ غيرِ الصريح على الصَّريح. و"هنالك" مشارٌ به إلى موضعِ التقاوُلِ والمجاوزةِ بالكلمات السابقة وهو مكةُ أي: سيُهزمون بمكةَ وهو إخبارٌ بالمغيَّبِ. وقيل: مُشارٌ به إلى نُصرةِ الأصنامِ. وقيل: إلى حَفْرِ الخندقِ يعني: إلى مكانِ ذلك. الثاني من الوجهين الأولين: أَنْ يكونَ "جندٌ" مبتدأ و"ما" مزيدةٌ. و"هنالك" نعتٌ و"مهزوم" خبرُه قاله أبو البقاء. قال الشيخ: "وفيه بُعْدٌ لتفلُّتِه عن الكلامِ الذي قبلَه". قلت: وهذا الوجهُ المنقولُ عن أبي البقاءِ سبقه إليه مكي.
قوله: "من الأحزاب" يجوزُ أَنْ يكونَ صفةً لـ "جُند"، وأنْ يكونَ صفةً لـ "مهزومٌ". وجَوَّزَ أبو البقاء أَنْ يكونَ متعلقاً به. وفيه بُعْدٌ؛ لأنَّ المرادَ بالأحزاب هم المهزومون.
* ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ ﴾
قوله: ﴿ذُو الأَوْتَادِ﴾: هذه استعارةٌ بليغةٌ: حيث شبَّه المُلْكَ ببيت الشَّعْر، وبيتُ الشَّعْرِ لا يَثبتُ إلاَّ بالأوتادِ والأطناب، كما قال الأفوه:
٣٨٥١- والبيتُ لا يُبْتَنى إلاَّ على عمدٍ * ولا عمادَ إذا لم تُرْسَ أوتادُ
فاسْتعير لثباتِ العزِّ والمُلْكِ واستقرار الأمر، كقول الأسود:
٣٨٥٢-............................ * في ظلِّ مُلْكٍ ثابتِ الأَوْتاد
(١٢/٢٤١)
---


الصفحة التالية
Icon