قوله: ﴿حُبَّ الْخَيْرِ﴾: فيه أوجهٌ، أحدُها: هو مفعولُ "أَحْبَبْت" لأنه بمعنى آثَرْتُ، و"عَنْ" على هذا بمعنى على، أي: على ذِكْر ربي؛ لأنه يُرْوَى في التفسيرِ - واللَّهُ أعلم - أنه عَرَضَ الخيلَ حتى شَغَلَتْه عن صلاة العصرِ أولَ الوقتِ حتى غَرَبَتِ الشمسُ. وقال الشيخ: "وكأنه منقولٌ عن الفراء أنه ضَمَّن أَحْبَبْتُ معنى آثَرْتُ حتى نصبَ "حُبَّ الخير" مفعولاً به. وفيه نظرٌ؛ لأنه متعدٍّ بنفسه، وإنما يَحتاج إلى التضمين إنْ لو لم يكنْ متعدِّياً. الثاني: أنَّ "حُبَّ" مصدرٌ على حَذْفِ الزوائد. والناصبُ له "أَحببتُ". الثالث: أنه مصدرٌ تشبيهيٌّ أي: حُباً مثلَ حُبِّ الخير. الرابع: أنه قيل: ضُمِّن معنى أَنَبْتُ، فلذلك تَعَدَّى بـ "عن". الخامس: أنَّ "أَحْبَبْتُ" بمعنى لَزِمْتُ. السادس: أنَّ "أَحْبَبْتُ" مِنْ أحَبَّ البعيرُ إذا سَقَطَ وبَرَك من الإِعْياء. والمعنى: قَعَدْتُ عن ذِكْر ربي، فيكون "حُبَّ الخيرِ" على هذا مفعولاً مِنْ أجله.
قوله: "حتى تَوارَتْ" في الفاعل وجهان، أحدهما: هو "الصافنات" والمعنى: حتى دخلَتْ اصْطَبْلاتِها فتوارَتْ وغابَتْ. والثاني: أنه للشمس أُضْمِرَتْ لدلالة السِّياق عليها. وقيل: لدلالةِ العَشِيِّ عليها فإنها تشعر بها. وقيل: يدل عليها الإِشراق في قصة داود. وما أبعده.
وقوله: "ذِكْرِ ربي" يجوز أَنْ يكونَ مضافاً للمفعول أي: عن أَنْ أذكر ربي، وأَنْ يكونَ مضافاً للفاعل أي: عَنْ أَنْ ذَكرني ربي. وضميرُ المفعولِ في "رُدُّوها" للصافناتِ. وقيل: للشمس، وهو غريبٌ جداً.
* ﴿ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ ﴾
قوله: ﴿مَسْحاً﴾: منصوبٌ بفعلٍ مقدر، وهو خبر "طَفِق" أي: فَطَفِق يَمْسَح مَسْحاً؛ لأنَّ خبرَ هذه الأفعالِ لا يكونُ إلاَّ مضارعاً في الأمر العام. وقال أبو البقاء وبه بَدأ: "مصدرٌ في موضعِ الحالِ". وهذا ليس بشيء لأنَّ "طَفِقَ" لا بُدَّ لها مِنْ خبر.


الصفحة التالية
Icon