وقوله: ﴿فِيهَا دَارُ الخُلْدِ﴾ يقتضي أَنْ تكونَ "دارُ الخلد" غيرَ النارِ، وليس الأمرُ كذلك، بل النارُ هي نفسُ دارِ الخُلْدِ. وأُجيب عن ذلك: بأنَّه قد يُجْعَلُ الشيءُ ظَرْفاً لنفسِه باعتبارِ متعلَّقِه على سبيل المبالغةِ، كأنَّ ذلك المتعلَّقَ صار مستقَراً له، وهو أبلغُ مِنْ نسبةِ المتعلَّقِ إليه على سبيلِ الإِخبارِ به عنه، ومثلُه قولُه:
٣٩٥٩-.......................... * وفي اللَّهِ إنْ لم يُنْصِفُوا حَكَمٌ عَدْلُ
وقوله تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾، والرسولُ عليه السلام هو نفسُ الأُسْوةِ. كذا أجابوا. وفيه نظرٌ؛ إذ الظاهرُ - وهو معنىً صحيحٌ منقولٌ - أنَّ في النار داراً تُسَمَّى دارَ الخلدِ، والنارُ مُحيطةٌ بها.
قوله: "جَزاءً" في نصبِه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّه منصوبٌ بفعلٍ مقدرٍ، وهو مصدرٌ مؤكدٌ أي: يُجْزَوْن جزاءَ. الثاني: أَنْ يكونَ منصوباً بالمصدرِ الذي قبلَه، وهو ﴿جَزَآءُ أَعْدَآءِ اللَّهِ﴾، والمصدرُ يُنْصَبُ بمثلِه كقوله/: ﴿فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً﴾. الثالث: أَنْ يَنْتَصِبَ على أنه مصدرٌ واقعٌ موقعَ الحالِ، و"بما" متعلِّقٌ بـ "جَزاء" الثاني، إنْ لم يكنْ مؤكِّداً، وبالأول إن كان، و"بآياتِنا" متعلِّقٌ بـ "يَجْحَدون".
* ﴿ وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ ﴾
وتقدَّم الخلافُ في "أَرِنا" وفي نونِ "اللذَيْنِ". قال الخليل: "إذا قلتَ: أَرِني ثوبَك بالكسرِ فمعناه بَصِّرْنِيْه، وبالسكون أَعْطِنيه". وقال الزمخشري: "أي: بما كانوا يَلْغَوْن"، فذكر الجحودَ؛ لأنه سببُ اللغْوِ انتهى. يعني أنه مِنْ بابِ إقامةِ السببِ مُقامَ المُسَبَّبِ وهو مجازٌ سائغٌ.
(١٢/٣٩٠)
---


الصفحة التالية
Icon