الثالث: قال الفارسيُّ - ونقله الزمخشري عن الزجاج - إن النصب على إضمار "أنْ"؛ لأنَّ قبلها جزاءً تقول: "ما تصنعْ أصنعْ وأكرمَك" وإنْ شِئْتَ: وأكرمُك، على وأنا أكرِمُك، وإنْ شِئْتَ "وأكرمْك" جزْماً. قال الزمخشري: "وفيه نظرٌ؛ لِما أَوْردَه سيبويه في كتابه" قال: "واعلَمْ أنَّ النصبَ بالواوِ والفاء في قوله: "إنْ تَأْتِني آتِك وأعطيكَ" ضعيفٌ، وهو نحوٌ مِنْ قولِه:
٣٩٧٨-...................... * وأَلْحَقُ بالحجازِ فَأَسْتريحا
(١٣/٣)
---
فهذا لا يجوزُ، لأنه ليس بحَدِّ الكلامِ ولا وجهِه، إلاَّ أنه في الجزاء صار أقوى قليلاً؛ لأنه ليس بواجبٍ أنَّه يفعلُ، إلاَّ أَنْ يكونَ من الأولِ فِعْلٌ، فلمَّا ضارَعَ الذي لا يُوْجِبُهُ كالاستفهام ونحوِه أجازوا فيه هذا على ضَعْفِه". قال الزمخشري: "ولا يجوزُ أَنْ تُحْمَلَ القراءةُ المستفيضةُ على وجهٍ ليس بحَدِّ الكلامِ ولا وجهِه، ولو كانَتْ من هذا البابِ لَما أَخْلَى سيبويه منها كتابَه، وقد ذَكَرَ نظائرَها مِن الآياتِ المُشْكِلة".
الرابع: أَنْ ينتصِبَ عطفاً على تعليلٍ محذوفٍ تقديرُه: لينتقمَ منهم ويعلمَ الذين، ونحوُه في العطفِ على التعليلِ المحذوفِ غيرُ عزيزٍ في القرآن. ومنه: ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ﴾ وخَلَق اللَّهُ السمواتِ والأرضَ بالحقِّ، ولِتُجْزَى" قاله الزمخشري. قال الشيخ: "ويَبْعُدُ تقديرُه: لِيَنْتَقِمَ منهم؛ لأنه تَرَتَّبَ على الشرطِ إهلاكُ قومٍ ونجاةُ قومٍ فلا يَحْسُنُ لينتَقِمَ منهم. وأمَّا الآيتان فيمكنُ أَنْ تكونَ اللامُ متعلقةً بفعلٍ محذوفٍ تقديرُه: ولنجعلَه آيةً للناسِ فَعَلْنا ذلك، ولُتْجزَى كلُّ نفسٍ فَعَلْنا ذلك، وهو - كثيراً - يُقَدِّرُ هذا الفعل مع هذه اللامِ إذا لم يكنْ فعلٌ يتعلَّقُ به". قلت: بل يَحْسُنُ تقديرُ "لينتقمَ" لأنَّه يعودُ في المعنى على إهلاكِ قومٍ المترتبِ على الشرط.


الصفحة التالية
Icon