سورة الجاثية
* ﴿ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: ﴿تَنزِيلُ﴾: قد تقدَّم مثلُه أولَ غافر. وقال أبو عبدِ الله الرازيُّ: "العزيزِ الحكيمِ إنْ كانا صفةً لله كان حقيقةً، وإنْ كانا صفةً للكتاب كان مجازاً". وقد رَدَّ عليه الشيخ جَعْلَه إياهما صفةً للكتاب قال: "إذ لو كان كذلك لَوَلِيَتِ الصفةُ موصوفَها فكان يُقال: تَنزيلُ الكتابِ العزيزِ الحكيمِ من الله" قال: "لأنَّ "من الله" إنْ تَعَلَّقَ بـ "تَنْزيل" وتنزيل خبرٌ لـ حم أو لمبتدأ محذوفٍ لَزِمَ الفَصْلُ به بين الصفة والموصوف، ولا يجوزُ، كما لا يجوزُ "أعجبني ضَرْبُ زيدٍ بسوطٍ الفاضلِ؛ أو في موضع الخبر، و"تنزيلُ" مبتدأ، فلا يجوز الفصْلُ به أيضاً لا يجوز: ضرْبُ زيدٍ شديدٌ الفاضلِ".(١٣/٦٤)
* ﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
قوله: ﴿وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ﴾: فيه وجهان، أظهرهما: أنه معطوفٌ على "خَلْقِكم" المجرورِ بـ "في" والتقديرُ: وفي ما يَبُثُّ. والثاني: أنه معطوفٌ على الضميرِ المخفوضِ بالخَلْق، وذلك على مذهبِ مَنْ يرى العطفَ على الضميرِ المجرورِ دونَ إعادةِ الجارِّ واستقبحه الزمخشريُّ وإنْ أُكِّد نحو: "مررتُ بك أنت وزيدٍ" يُشير بذلك إلى مذهب الجرميِّ فإنَّه يقول: إن أُكِّد جازَ، وإلاَّ فلا، فقولُه مذهبٌ ثالثٌ.
قوله: ﴿آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ و﴿آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ قرأ "آياتٍ" بالكسر في الموضعَيْن الأخوَان، والباقون برفعهما. ولا خلافَ في كسرِ الأولى لأنها اسمُ "إنَّ". فأمَّا ﴿آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ بالكسر فيجوزُ فيها وجهان، أحدهما: أنها معطوفةٌ على اسم "إنَّ"، والخبرُ قولُه: "وفي خَلْقِكم". كأنه قيل: وإنَّ في خَلْقِكم وما يَبُثُّ مِنْ دابة آياتٍ. والثاني: أَنْ تكونَ كُرِّرَتْ تأكيداً لآيات الأُولى، ويكونُ "في خَلْقكم" معطوفاً على "في السموات" كُرِّر معه حرفُ الجَرِّ توكيداً. ونظيرُه أَنْ تقولَ: "إنَّ في بيتك زيداً وفي السوق زيداً" فزيداً الثاني تأكيدٌ للأول، كأنك قلت: إنَّ زيداً زيداً في بيتك وفي السوق وليس في هذه عطفٌ على معمولَيْ عاملَيْن البتةَ.
(١٣/٦٥)
---