قوله: ﴿أَفَتُمَارُونَهُ﴾: قرأ الأخَوان "أَفَتَمْرُوْنَه" بفتح التاء وسكون الميمِ، والباقون "تُمارونه". وعبد الله بن مسعود والشعبي "أَفَتُمْرُوْنَه" بضمِّ التاءِ وسكون الميم. فأمَّا الأولى ففيها وجهان، أحدهما: أنها مِنْ مَرَيْتُه حَقَّهُ إذا غَلَبْتُه وجَحَدْتَه إياه. وعُدِّي بـ"على" لتضمُّنِه معنى الغَلَبة. وأُنشِد:
٤١٢٨ - لَئِن هَجَرْتَ أخا صدقٍ ومَكْرُمَةٍ * لقد مَرَيْتَ أخاً ما كان يَمْرِيكا
لأنه إذا جَحَده حقَّه فقد غَلَبه عليه. والثاني: أنها مِنْ مَراه على كذا أي: غَلَبه عليه فهو مِن المِراء وهو الجِدالُ. وأمَّا الثانيةُ فهي مِنْ ماراه يُماريه مُراءاة أي: جادَلَه. واشتقاقُه مِنْ مَرْي الناقةِ؛ لأنَّ كلَّ واحد من المتجادِلِيْن يَمْري ما عند صاحبه. وكان مِنْ حَقِّه أن يتعدَّى بـ"في" كقولك: جادَلْتُه في كذا، وإنما ضُمِّن معنى الغَلَبة فعُدِّيَ تَعْدِيَتَها. وأمَّا قراءةُ عبد الله فمِنْ أمراه رباعياً.
* ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴾
قوله: ﴿نَزْلَةً أُخْرَى﴾: فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها منصوبةٌ على الظرفِ. قال الزمخشري: "نَصْبَ الظرفِ الذي هو مَرَّة؛ لأنَّ الفَعَلَةَ اسمٌ للمَرَّة من الفعلِ فكانَتْ في حُكْمها" قلت: وهذا ليس مذهبَ البصريين، وإنما هو مذهبُ الفرَّاء، نقله عنه مكي. الثاني: أنها منصوبةٌ نَصْبَ المصدرِ الواقعِ الحالِ. قال مكي: "أي: رآه نازلاً نَزْلة أخرى"، وإليه ذهب الحوفيُّ وابنُ عطية. والثالث: أنه منصوبٌ على المصدرِ المؤكِّد، فقدَّره أبو البقاء: "مرةً أخرى أو رُؤْيةٌ أخرى". قلت: وفي تأويلِ "نَزْلَةً" برؤية نظرٌ. و "أخرى" تَدُلُّ على سَبْقِ رؤيةٍ قبلها.
* ﴿ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴾
(١٣/٢١٠)
---