وكُتِب "تُغْنِ" إتباعاً لِلَفْظِ الوصلِ فإنَّها ساقطةٌ لالتقاء الساكنين: قال بعضُ النحويين: وإنما حُذِفَتْ الياءُ مِنْ "تُغْني" حَمْلاً لـ"ما" على "لم" فجَزَمَتْ كما تَجْزِمُ "لم". قال مكي: "وهذا خطأٌ؛ لأنَّ "لم" تَنْفي الماضيَ وتَرُدُّ المستقبلَ ماضياً، و "ما" تنفي الحالَ، فلا يجوزُ أَنْ تقعَ إحداهما موقع الأخرى لاختلافِ معنَيَيْهما".
* ﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ ﴾
قوله: ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ﴾: منصوبٌ: إمَّا بـ"اذْكُرْ" مضمرةً وهو أقربُها، وإليه ذهب الرُّمَّاني والزمخشري، وإمَّا بـ"يَخْرُجون" بعده وإليه ذهب الزمخشريُّ أيضا، وإمَّا بقولِه "فما تُغْني"، ويكون قولُه "فَتَوَلَّ عنهم" اعتراضاً، وإمَّا منصوباً بقولِه ﴿يَقُولُ الْكَافِرُونَ﴾ وفيه بُعْدٌ لبُعْدِه منه، وإمَّا بقولِ "فَتَوَلَّ" وهو ضعيفٌ جداً؛ لأنَّ المعنى ليس أَمْرَه / بالتوليةِ عنهم في يومِ النفخ في الصُّورِ، وإمَّا بحذفِ الخافض، أي فَتَوَلَّ عنهم إلى يوم؛ قاله الحسن. وضُعِّف من حيث اللفظُ، ومن حيث المعنى. أمَّا اللفظُ: فلأنَّ إسقاطَ الخافضِ غيرُ مُنْقاسٍ. وأمَّا المعنى: فليس تَوَلِّيه عنهم مُغَيَّا بذلك الزمان، وإمَّا بـ انتظرْ مضمراً. فهذه سبعةُ أوجهٍ في ناصب "يومَ". وحُذِفَتْ الواوُ مِنْ "يَدْعُ" خَطَّاً اتِّباعاً للِّفْظِ، كما تقدَّم في ﴿يُغْنِ﴾ ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾ وشبهِه، والياءُ من "الداعِ"، مبالغةً في التخفيف إجراءً لأل مُجْرى ما عاقبها وهو التنوينُ فكما تُحْذَفُ الياءُ مع التنوينِ كذلك مع ما عاقَبها.
(١٣/٢٣٨)
---


الصفحة التالية
Icon