وقال بعضُ العلماء: في القَدَر هنا وجوهٌ، أحدها: أنه المقدارُ في ذاتِه وفي صفاته. والثاني: التقديرُ كقولِهِ ﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾. وقال الشاعر:
٤١٦٨ -....................... * وقَد قَدَّر الرحمنُ ما هو قادِرُ
أي: ما هو مُقَدَّر. والثالث: القَدَرُ الذي يُال مع القضاء كقولِكَ: كان بقضاءِ اللهِ وقَدَرِه فقوله "بقَدَرٍ" على قراءة النصب متعلِّقٌ بالفعل الناصب وفي قراءةِ الرفع في محلِّ رفع، لأنه خبرٌ لـ"كل" و "كل" وخبرُها في محل رفع خبراً لـ إنَّ.
* ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ﴾
وسيأتي قريباً آيةٌ عكسَ هذه أعني في اختيار الرفع وهي قولُه ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ﴾ فإنَّه لم يختلف في رفعِه قالوا لأنَّ نصبَه يُؤدَّي إلى فسادِ المعنى لأنَّ الواقعَ خلافُه، وذلك أنَّك لو نَصَبْتَه لكان التقديرُ: فعلوا كلَّ شيءٍ في الزبُر، وهو خلافُ الواقع؛ إذ في الزُّبُر أشياءُ كثيرةٌ جداً لم يفعلوها. وأمَّا قراءةُ الرفعِ فتؤَدِّي أنَّ كلَّ شيءٍ فعلوه هم، ثابتٌ في الزُبُر وهو المقصود فلذلك اتُّفِقَ على رفعِه، وهذان الموضعان مِنْ نُكَتِ المسائلِ العربيةِ التي اتَّفق مجيئُها في سورةٍ واحدةٍ في مكانَيْن متقاربين ومما يَدُلُّ على جلالةِ علمِ الإِعراب وإفهامهِ المعانيَ الغامضةَ. والجاهلون لأهل العلم أعداءٌ.
* ﴿ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ ﴾
(١٣/٢٥٦)
---