وقال الزمخشري: "فإن قلتَ: كيف أَخَلَّ بالعاطف في الجمل الأُوَل وجِيْءَ به بعدُ؟ قلت: بَكَّتَ بالجملِ الأُوَلِ واردةً على سَنَنِ التعديد الذين أنكروا الرحمنَ وآلاءَه كما يُبَكَّتْ مُنْكِرُ أيادي المُنْعَمِ [عليه] من الناسِ بتعدُّدها عليه في المثالِ الذي قَدَّمْتُه، ثم رَدَّ الكلامَ إلى منهاجِه بعد التبكيت في وَصْلِ ما يجب وَصْلأُه للتناسُبِ والتقارُب بالعاطفِ. فإنْ قلت: أيُّ تناسُبٍ بين هاتَيْنِ الجملتَيْن حتى وَسَّط بينهما العاطفَ؟ قلت: إن الشمسَ والقمرَ سماوين، والنجمَ والشجرَ أَرْضيان فبينهما تناسُبٌ من حيث التقابلُ، وأن السماءَ والأرضَ لا تزالان قرينتَيْن، وأنَّ جَرْيَ الشمسِ والقمرِ بحُسْبان مِنْ جنسِ الانقيادِ لأمرِ اللَّهِ، فهو مناسِبٌ لسُجودِ النجمِ والشجرِ".
* ﴿ أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الْمِيزَانِ ﴾
قوله: ﴿أَلاَّ تَطْغَوْاْ﴾: في "أنْ" هذه وجهان، أحدُهما: أنَّها الناصبةُ، و "لا" بعدها نافيةٌ، و "تَطْغَوْا" منصوبٌ بـ"أنْ"، وأنَّ قبلَها لامَ العلةِ مقدرةً، تتعلَّقُ بقولِه: "ووَضَع الميزانَ" التقدير: لئلا تَطْغَوا، وهذا بَيِّنٌ. وأجاز الزمخشريُّ وابنُ عطية أَنْ تكونَ المفسِّرَةَ، وعلى هذا تكونُ "لا" ناهيةً والفعلُ مجزومٌ بها. إلاَّ أنَّ الشيخَ رَدَّه: بأنَّ شَرْطَها تقدُّمُ جملةٍ متضمنةٍ لمعنى القول، وليسَتْ موجودةً. قلت: وإلى كونِها مفسِّرةً ذهبَ مكي وأبو البقاء: إلاَّ أنَّ أبا البقاءِ كأنَّه تَنَبَّه للاعتراضِ فقال: "وأَنْ بمعنى أَيْ، والقولُ مقدَّرٌ"ن فجعل الشيءَ المفسَّرَ بـ"أَنْ" مقدَّراً لا ملفوظاً بها، إلاَّ أنه قد يُقال: قولُه / "والقولُ مقدرٌ" ليس بجيدٍ، لأنها لا تُفَسِّرُ القولَ الصريحَ، فكيف يُقَدِّر ما لا يَصِحُّ تفسيرُه؟ فصْلاحُه أَنْ يقولَ: وما هو بمعنى القول مقدرٌ.
ان
* ﴿ وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ ﴾
(١٣/٢٦١)
---


الصفحة التالية
Icon