وقال مكي: "اللامُ متعلقةٌ بـ"يعودون" أي: يعودون لوَطْءِ المقولِ فيه الظهارُ، وهُنَّ الأزواجُ، فـ"ما" والفعلُ مصدرٌ أي: لموقلِهم، والمصدرُ في موضعِ المفعولِ به نحو: "هذا دِرْهَمٌ ضَرْبُ الأمير" أي: مَضْرُوبُه، فيصير معنى "لقولهم" للمقولِ فيه الظِّهارُ أي: "لوَطْئِه". قلت: وهذا معنى قولِ الزمخشريِّ في الوجه الثالث تَقَدَّم تقريرُه عن الحسنِ والزهري مالك، إلاَّ أنَّ مكيَّاً قَيَّد ذلك بكونِ "ما" مصدريةً حتى يقعَ المصدرُ الموؤلُ موضعَ اسمِ مفعول.
وفيه نظرٌ؛ إذ يجوز ذلك، وإنْ كانت "ما" غيرَ مصدرية، لكونِها بمعنى الذي أو نكرةً موصوفةً، بل جَعْلُها غيرَ مصدريةٍ أَوْلَى؛ لأن المصدرَ المؤولَ فرعُ المصدرِ الصريحِ، ذ الصريحُ أصلٌ للمؤول به ووَضْعُ المصدرِ موضعَ اسم المفعولِ خلفُ الأصلِ، فيلزمُ الخروجُ عن الاصل بشيئين: بالمصدرِ المؤولِ. ثم وقوعِه موقعَ اسمِ المفعول، والمحفوظُ من لسانِهم إنما هو وَضْعُ المصدرِ الصريح موضَعَ المفعولِ لا المصدرِ المؤولِ فاعرِفْه. لا يُقال: إنَّ جَعْلَها غيرَ مصدريةٍ يُحْوِجُ إلى تقديرِ حذفِ مضافٍ ليصِحَّ المعنى به أي: يعودون لوَطْءِ التي ظاهَرَ منها، أو امرأةٍ ظاهَرَ منها، أو يعودون لإِمساكِها، والأصلُ عدمُ الحذفِ؛ لأن هذا مشتركُ الإِلزام لنا ولكم، فإنكم تقولون أيضاً: لا بُدَّ مِنْ تقديرِ مضافٍ أي: يعودون لوَطْءِ أو لإِمساكِ المقولِ فيه الظِّهارُ. ويدل على جوازِ كَوْنِ "ما" في هذا الوجهِ غيرَ مصدريةٍ ما أشار إليه أبو البقاء، فإنه قال: "يتعلَّقُ بـ"يعودون" بمعنى: يعودون للمقول فيه. هذا إنْ جَعَلْتَ "ما" مصدريةً، ويجوز أَنْ بمعنى الذي ونكرةً موصوفةً".
(١٣/٣٤٨)
---