واختلف الناس في "رسولا" هل هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أو القرآنُ نفسُه، أو جبريلُ؟ قال الزمخشري: "هو جبريلُ عليه السلام" أُبْدِل مِنْ "ذِكْراً" لأنه وُصِف بتلاوةِ آياتِ اللَّهِ، فكأنَّ إنزالَه في معنى إنزالِ الذِّكْرِ فصَحَّ إبدالُه مه". قال الشيخ: "ولا يَصِحُّ لتبايُنِ المدلولَيْنِ بالحقيقة، ولكونِه لا يكونَ بدلَ بعضٍ ولا بدلَ اشتمال" انتهى. وهذا الذي قاله الزمخشريُّ سبقه إليه الكلبيُّ. وأمَّا اعتراضُه عليه فغيرُ لازمٍ لأنه إذا بُوْلِغَ فيه حتى جُعِل نفسَ الذِّكْر كما تقدَّم بيانُه. وقُرىء "رسولٌ" على إضمار مبتدأ، أي: هو رسول.
قوله: ﴿لِّيُخْرِجَ﴾ متعلِّقٌ إمَّا بـ"أَنْزَل"، وإمّضا بـ"يَتْلو" وفاعِلُ يُخْرِج: إمَّا ضميرُ الباري تعالى المنَزِّل، أو ضميرُ الرسولِ، أو الذِّكرِ، و "مَنْ يُؤْمِنْ" هذا أحدُ المواضعِ التي رُوْعي فيها اللفظُ أولاً، ثم المعنى ثانياً، ثم اللفظُ آخِراً، وقد تقدَّم ذلك في المائِدة. وقد تأوَّلَ بعضُهم هذه الآية [وقال: ليس قولُه "خالدين" فيه ضميرٌ عائدٌ على "مَنْ" إنما يعود على مفعولِ "يُدْخِلْه"، و "خالدين" حالٌ منه، والعاملُ فيها "يُدْهِلْه" لا فِعْلُ الشرطِ]. هذه عبارةُ الشيخِ، وفيها نظرٌ؛ لأنَّ "خالدين" حالٌ مِنْ مفعول "يُدْخِلْه" عند القائلين بالقول الأول، وكأنَّ إصلاحَ العبارةَ أَنْ يقالَ: حالٌ مِنْ مفعولِ "يُدْخِلْه" الثاني، وهو "جناتٍ" والخلودُ في الحقيقةِ لأصحابِها، وكان ينبغي على رأي البصريين أن يقال: خالدين هم فيها، لجريان الوصفِ على غير مَنْ هو له.
قوله: ﴿قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ﴾ حالٌ ثانيةٌ، أو حال مِنْ الضمير في "خالدين" فتكونُ متداخلةً. /
(١٤/١٩)
---