قوله: ﴿مِن تَفَاوُتِ﴾ هو مفعولُ "تَرَى" و "مِنْ" مزيدةٌ فيه. وقرأ الأَخَوان "تَفَوُّتٍ" بتشديدِ الواوِ دون ألفٍ. والباقون بتخفيفها بعد ألفٍ، وهما لغتان بمعنىً واحدٍ كالتعاهد، والتظهُّر والتظاهُر. وحكى أبو زيد "تفاوَتَ الشيءُ تفاوُتاً بضم الواو وفتْحِها وكسرِها، والقياسُ الضمّ كالتقابُل، والفتحُ والكسرُ شاذان. والتفاوُت: عدمُ التناسُبِ؛ لأنَّ بعض الأجزاءِ يَفُوت الآخَرَ. وهذه الجملةُ المنفيةُ صفةٌ مُشايعةٌ لقولِه: "طباقاً" وأصلُها: ما ترى فيهنَّ، فوضَع مكانَ الضميرِ قوله: ﴿خَلْقِ الرَّحْمَانِ﴾ تعظيماً لخلقِهنَّ وتنبيهاً على سببِ سلامَتهن، وهو أنه خَلْقُ الرحمن، قاله الزمخشريُّ، وظاهر هذا: أنه صفةٌ لـ"طباقاً"، وقام الظاهرُ فيها مَقامَ المضمرِ، وهذا إنما نعرِفُه في خبرِ المبتدأ، وفي الصلةِ، على خلافٍ فيهما وتفصيلٍ.
وقال الشيخ: "الظاهرُ أنه مستأنَفٌ" وليس بظاهرٍ لانفلاتِ الكلام بعضِه من بعض.
و "خَلْق" مصدرٌ مضافٌ لفاعِله، والمفعولُ محذوفٌ أي: في خَلْقِ الرحمنِ السمواتِ، أو كلَّ مخلوقٍ، وهو أَوْلى ليعُمَّ، وإن كان السياقُ مُرْشِداً للأول.
قوله: ﴿فَارْجِعِ﴾ مُتَسَبِّبٌ عن قولِه: "ما تَرَى" و "كرَّتَيْن" نصبٌ على المصدرِ كمرَّتَيْن، وهو مثنى لا يُراد به حقيقتُه، بل التكثيرُ، بدليلِ قولِه: ﴿يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ أي: مُزْدجراً وهو كليلٌ، وهذان الوصفان لا يأتيان بنظرتَيْن ولا ثلاثٍ، وإنما المعنى كرَّات، وهذا كقولهم: "لَبَّيْك وسَعْديك وحنانَيْك ودَواليك وهذاذَيْك لا يُريدون بهذه التثنيةِ شَفْعَ الواحدِ، إنما يريدون التكثيرَ أي: إجابةً لك بعد أخرى، وإلاَّ تناقَضَ الغرضُ، والتثنيةُ تفيدُ التكثيرَ لقرينةٍ كما يُفيده أصلُها، وهو العطفُ لقرينةٍ كقولِه:
٤٢٨٢ - لو عُدَّ قبرٌ كنتَ أكرَمَهم *......................
(١٤/٣٣)
---