قوله: ﴿مَنَاكِبِهَا﴾ استعارةٌ حسنة جداً. وقال الزمخشري: "مَثَلٌ لِفَرْطِ التذليل ومجاوَزَتِهِ الغايةَ؛ لأن المَنْكِبَيْن وملتقاهما من الارِبِ أرقُّ شيءٍ مِن البعير وأَنْبأه عنأَنْ يطأَه الراكبُ بقدمِه ويَعْتمد عليه، فإذا جعلها في الذُّلِّ بحيث يُمشَى في مناكبها لم يَتْرُكْ".
* ﴿ أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾
قوله: ﴿أَأَمِنتُمْ﴾: قد تقدَّم اختلافُ القراءِ في الهمزَتَيْن المفتوحتين نحو ﴿أَأَنذَرْتَهُمْ﴾ تحقيقاً وتخفيفاً وإدخالِ ألفٍ بينهما وعَدَمِه في البقرة، وأن قُنْبلاً يَقرأ هنا بإبدالِ الهمزة الأولى واواً في الوصل. فيقول: ﴿وَإِلَيْهِ النُّشُورُ وَأَمِنْتُمْ﴾ وهو على صلِه مِنْ تسهيلِ الثانيةِ بينَ بينَ وعَدَمِ ألفٍ بينهما، وأمَّا إذا ابتدأ فيُحقِّق الأولى ويُسَهِّلُ الثانيةَ بين بينَ على ما تقدَّم، ولم يُبْدل الأولى واواً لزوالِ مُوجِبه وهو انضمامُ ما قبلها وهي مفتوحةٌ نحو: مُوَجَّل ويُؤاخِذُكم، وهذا قد مضى في سورة الأعراف عند قولِه: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ﴾ وإنما أَعَدْتُه بياناً وتذكيراً.
قوله: ﴿مَّن فِي السَّمَآءِ﴾، وفي الكلامِ حَذْفُ مضافٍ أي: أمِنْتُمْ خالقَ مَنْ في السموات. وقيل: "في" بمعنى على أي: على السماء، وإنما حتاج القائلُ بهذَيْن إلى ذلك لأنه اعتقد أن "مَنْ" واقعةٌ على الباري تعالى وهو الظاهرُ، وثَبَتَ بالدليل القطعيِّ أنه ليس بمتحيِّزٍ لئلا يلزَمَ التجسيمُ. ولا حاجةَ إلى ذلك فإن "مَنْ" هنا المرادُ بها الملائكةُ سكانُ السماء، وهم الذين يَتَوَلَّوْن الرحمة والنِّقْمة. وقيل: خُوطبوا بذلك على اعتقادِهم، فإنَّ القومَ كانوا مُجَسِّمة مشبِّهَةً، والذي تقدَّم أحسنُ.
(١٤/٤١)
---


الصفحة التالية
Icon