وقد اختلف الناسُ / في ذلك فقال أبو حاتم في الفتح: "هو معطوفٌ على مرفوعِ "أُوْحِيَ" فتكونُ كلُّها في موضعِ رفعٍ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُه". وهذا الذي قاله قد رَدَّه الناسُ عليه: مِنْ حيث إنَّ أَكثرَها لا يَصِحُّ دخولُه تحت معمولِ "أُوْحِي" ألا ترى أنه لو قيل: أوُحي إليّش أنَّا لَمَسْنا وأنَّا مِنَّا المسلمون لم يَسْتَقِمْ معناه. وقال مكي: "وعَطْفُ "أنَّ" على ﴿آمَنَّا بِهِ﴾ أتَمُّ في المعنى مِنْ العطفِ على "أنَّه استمعَ" لأنك لو عَطَفْتَ ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ﴾ ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا﴾ ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ﴾ ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا﴾، وشِبْهَ ذلك على "أنه استمع" لم يَجُزْ؛ لأنه ليس مِمَّا أُوْحِي، إليه، إنما هو أمرٌ أو خبر، وأنه عن نفسهم، والكسرُ في هذا أَبْينُ، وعليه جماعة مِنْ القُراءِ.
الثاني: أنَّ الفتحَ في ذلك عَطْفٌ على مَحَلِّ "به" مِنْ "آمَنَّا به". قال الزمخشري: "كأنه قال: صَدَّقناه وصَدَّقْناه أنه تعالى جَدُّ رَبَّنا، وأنَّه كان يقولُ سفيهُنا، وكذلك البواقي"، إلاَّ انَّ مكيَّاً ضَعَّفَ هذا الوجهَ فقال: والفتحُ في ذلك على الحَمْلِ على معنى "آمَنَّا به" وفيه بُعْدٌ في المعنى؛ لأنهم لم يُخْبِروا أنهم آمنوا بأنَّهم لَمَّأ سَمِعوا الهدى آمنوا به، ولم يُخْبِروا أنهم كان رجالٌ، حكى اللَّهُ عنهم أنهم قالوا ذلك مُخْبِرين به عن أنفسِهم لأصحابِهم، فالكسرُ أَوْلى بذلك" وهذا الذي قاله غيرُ لازمٍ؛ فإنَّ المعنى على ذلك صحيحٌ.
وقد سَبَق الزمخشريَّ إلى هذا التخريجِ الفَرَّاءُ والزجَّاجُ. إلاَّ أنَّ الفَرَّاء استشعر إشكالاً وانفصل عنه، فإنه قال: "فُتِحَتْ "أنَّ" لوقوع الإِيمانِ عليها، وأنت تجدُ الإِيمانَ يَحْسُنُ في بعضِ ما فُتحَ دونَ بعضٍ، فلا يُمْنَعُ من إمَائِهنَّ على الفتح، فإنه يَحْسُنُ فيه ما يُوْجِبُ فَتْحَ "أنَّ" نحو: صَدَقْنا وشَهِدْنا، كما قالت العربُ.
(١٤/١١٣)


الصفحة التالية
Icon