قوله: ﴿الْقَاسِطُونَ﴾: قد تقدَّم في أول النساء: أنَّ قَسَط الثلاثيَّ بمعنى جار، وأَقْسَط الرباعيَّ بمعنى عَدَل، وأنَّ الحَجَّاجَ قال لسعيد بن جبير: ما تقولُ فيّ قال: إنك قاسِطٌ عادِلٌ. فقال الحاضرون: ما أحسنَ ما قال !! فقال: يا جهلةُ جَعَلني جائراً كافراً، وتلا ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾ ﴿ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ قوله: ﴿تَحَرَّوْاْ رَشَداً﴾ أي: قَصَدوا ذلك، وطَلَبوه باجتهادٍ، ومنه: التحرِّي في الشيءِ. قال الراغب: "حَرَى الشيءَ يَحْريه أي: قَصَدَ حَراه أي جانبَه، وتَحَرَّاه كذلك، وحَرَى الشيءُ يَحْرِي: نَقَصَ، كأنه لَزِمَ الحَرَى ولم يَمْتَدَّ قال:
٤٣٥٦ -.................. * والمَرْءُ بعد تَمامِه يَحْرِي
ويقال: رَماه الله بأفعى حارِيةٍ أي: [ناقصةٍ] شديدةٍ" انتهى، وكأنَّ أصلَه مِنْ قولِهم: هو حَرٍ بكذا أي: حَقيقٌ به قَمِنٌ. و "رَشَداً" مفعولٌ به. والعامَّةُ "رَشَداً" بفتحتين. والأعرج بضمةٍ وسكونٍ.
* ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً ﴾
قوله: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُواْ﴾: "أنْ" هي المخففةُ. وقد تقدَّم أنه يُكتفى بـ"لو" فاصلةً بين "أَنْ" الخفيفةِ وخبرِها، إذا كان جملةً فعلية في سورة سبأ. وقال أبو البقاء هنا: و "لو" عوضٌ كالسين وسوف. وقيل: "لو" بمعنى "إنْ" و "أنْ" بمعنى اللام، وليسَتْ بلازمةٍ كقوله: ﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهِ﴾ وقال في موضعٍ آخرَ: ﴿وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ﴾ ذكره ابن فَضَّال في "البرهان". قلت: هذا شاذٌّ لا يُلتفت إليه البتَةَ؛ لأنه خلافُ النَّحْوِيين. وقرأ العامَّةُ بكسر واو "لو" على الأًصلِ. وابن وثاب والأعمشُ بضمِّها تشبيهاً بواوِ الضمير، وقد تقدم تحقيقُه في البقرة.
(١٤/١٢٢)
---


الصفحة التالية
Icon