والمعنى: التخييرُ بين أمرَيْنِ: بينَ أَنْ يقومَ أقلَّ مِنْ نصفِ الليلِ على البَتِّ، وبين أَنْ يَخْتارَ أحدَ الأمرَيْن، وهما: النُّقْصانُ من النصفِ والزيادةُ عليه، قاله الزمخشريُّ: وقد ناقَشَه الشيخ: بأنه يَلْزَمُه تكرارٌ في اللفظِ؛ إذ يَصير التقديرُ: قُم نِصفَ الليلِ إلاَّ قليلاً مِنْ نِصْفِ الليل، أو انقُصْ مِنْ نصفِ الليل. قال: "وهذا تركيبٌ يُنَزَّهُ القرآنُ عنه". قلت: الوجهُ فيه إشكالٌ، لا من هذه الحيثية فإنَّ الأمرَ فيها سهلٌ، بل لمعنىً آخرَ [سأَذْكرهُ قريباً إنْ شاء الله].
وقد جعل أبو البقاءِ هذا الوجهَ مرجوحاً فإنه قال: "والثاني هو بدلٌ مِنْ قليلاً - يعني النصف - قال: "وهو أَشبهُ بظاهرِ الآية لأنه قال: "أو انقُصْ منه أو زِدْ عليه"، والهاءُ فيهما للنِّصْفِ. فلو كان الاستثناءُ من النصف لصار التقديرُ: قُم نصفَ الليل غلاَّ قليلاً أو انقُصْ منه قليلاً، والقليلُ المستثنى غيرُ مقدّر، فالنقصانُ منه لا يُعْقَلُ". قلت: الجوابُ عنه: أنَّ بعضَهم غيرُ مقدَّرٍ، ثم إنَّ في قولِه تناقصاً لأنه قال: "والقليلُ المستثنى غيرُ مقدَرٍ، فالنقصانُ منه [لا يُعْقَل"] فأعاد الضميرُ على القليل، وفي الأولِ أعادَه على النصفِ.
ولقائلٍ أن يقولَ: قد يَنْقَدحُ هذا الوجهُ بإشكالٍ قويٍّ: وهو أنَّه يَلْزَمُ منه تكرارُ المعنى الواحدِ: وذلك أنَّ قولَه: "قُمْ نِصْف الليلِ إلاَّ قليلاً" بمعنى: انقُصْ مِنْ الليل؛ لأنَّ ذلك القليل هو بمعنى النقصانِ، وأنت إذا قلت: قُمْ نصفَ الليلِ إلاَّ القليلَ مِن النصفِ، وقُمْ نصفَ الليل، أو انقُصْ من النصفِ، وحدتَهما بمعنىً. وفيه دقةٌ فتأمَّلْه، ولم يَذْكُرِ الحوفيُّ غيرَ هذا الوجهِ المتقدِّمِ، فقد عَرَفْتَ ما فيه.
(١٤/١٣٥)
---