قوله: ﴿تَسْتَكْثِرُ﴾ العامَّةُ على رفعِه، وفيه وجهان، أحدهما: أنه في موضع الحالِ أي: لا تَمْننْ مُسْتَكْثِراً ما أعطَيْتَ. وقيل: معناه: لِتَأْخُذْ أكثرَ مِمَّا أَعْطَيْتَ. والثاني: أنَّه على حَذْفِ "أَنْ" يعني أنَّ الأصلَ: ولا تَمْنُنْ أَنْ تستكثرَ، فلمَّأ حُذِفَتْ "أَنْ" ارتفع الفعلُ كقولِه:
٤٣٨٠ - ألا أيُّهذا الزَّاجري أَحْضُرُ الوغى *..............................
في إحدى الروايَتَيْن، قاله الزمخشري، ولم يُبَيِّنْ: ما محلُّ "أَنْ" وما في حَيِّزها. وفيه وجهان، أظهرهما - وهو الذي يُريده - هو أنَّها في محلِّ نصبٍ أو جرٍّ على الخلافِ فيها بعد حَذْفِ حرف الجر، وهو هنا لامُ العلة تقديرُه: ولا تَمْنُنْ لأَنْ تَسْتكْثِرَ. والثاني: أنَّها في محلِّ نصبٍ فقط مفعولاً بها أي: لا تَضْعُفْ أَنْ تَسْتكْثِرَ. من الخير، قاله مكي، وقد تَقَدَّم لك أنَّ "تَمْنُنْ" بمعنى تَضْعُف، وهو قولُ مجاهدٍ، إلاَّ أنَّ الشيخَ قال بعد كلامِ الزمخشريِّ: "وهذا لا يجوزُ أن يُحملَ القرآنُ عليه؛ لأنَّ ذلك لا يجوزُ إلاَّ في الشعرِ، ولنا مَنْدوحة عنه مع صحةِ معنى الحالِ" قلت: قد سبقه مكيٌّ وغيرُه إلى هذا. وأيضاً فقولُه: "في الشعر" ممنوعٌ؛ هؤلاء الكوفيون يُجيزون ذلك وأيضاً فقد قرأ الحسن والأعمش "تَسْتَكْثِرُ" نصباً، وهو على إضمار "أَنْ" كقولهم: "مُرْهُ يَحْفِرَها" وأَبلَغُ مِنْ ذلك التصريحُ بأنْ في قراءةِ عبد الله: ﴿ولا تَمْنُنْ أَنْ تستكثرَ﴾.
وقرأ الحسنُ أيضاً وبانُ أبي عبلة "تستكثِرْ" جزماً، وفيه ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أَنْ يكونَ بدلاً من الفعلِ قبله، كقولِه تعالى: ﴿يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ﴾ فـ"يُضاعَفْ" بدلٌ مِنْ "يَلْقَ" وكقولِه:
٤٣٨١ - مَتى تَأْتِنا تُلْمِمْ بنا في ديارِنا * تَجِدْ حَطَباً جَزْلاً وناراً تَأجَّج
(١٤/١٥٦)
---