قوله: ﴿لاَ تُبْقِي﴾ فيه وجهان، أحدُهما: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال، والعامل فيها معنى التعظيم، قاله أبو البقاء، يعني أنَّ الاستفهامَ في قولِه ما سَقَرُ؟ للتعظيم فالمعنى: استعظموا سَقَرَ في هذه الحال. ومفعول "تُبْقي" و "تَذَرُ" محذوفٌ، أي: لا تُبقي ما أُلْقي فيها، ولا تَذَرُهُ، بل تُهْلِكُه. وقيل: تقديرُه لا تُبْقي على مَنْ أُلْقي فيها، ولا تَذَرُ غايةَ العذابِ إلاَّ وَصَلَتْه إليه. والثاني: أنها مستأنفةٌ.
* ﴿ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ ﴾
قوله: ﴿لَوَّاحَةٌ﴾: قرأ العامَّةُ بالرفع خبرَ مبتدأ مضمر، أي: هي لَوَّاحَةٌ. وهذه مُقَوِّيةٌ للاستئنافِ في "لا تُبْقي". وقرأ الحسن وابنُ أبي عبلة وزيدُ بن علي وعطيةُ العَوْفي بنَصْبِها على الحال، وفيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنها حالٌ مِنْ "سقرُ" والعاملُ معنى التعظيمِ كما تقدَّم. والثاني: أنها حالٌ مِنْ "لا تُبْقي". والثالث: مِنْ "لا تذرُ". وجَعَلَ الزمخشري نَصْبَها على الاختصاصِ للتهويل، وجعلها الشيخ حالاً مؤكدة قال: "لأنَّ النارَ التي لا تُبْقي ولا تَذَرُ لا تكونُ إلاَّ مُغَيِّرةً للإِبشارةِ" "ولَوَّاحَةٌ" بناءُ مبالغةٍ، وفيها معنيان، أحدهما: مِنْ لاح يَلُوح، أي: ظهر، أي: إنها تظهر للبَشَرِ وهم الناسُ، وإليه ذهب الحسن وابن كَيْسان. والثاني: - وإليه ذهبَ جمهورُ الناس - أنها مِنْ لوَّحه، أي: غَيَّرة وسَوَّده. قال الشاعر:
٤٣٩٠ - وتعجَبُ هندٌ أَنْ رَأَتْنِيَ شاحباً * تقول: لَشَيءٌ لوَّحَتْه السَّمائِمُ
ويقال: لاحَه يَلُوْحه: إذا غَيَّر حِلْيَتَيْه، وأُنْشِد:
٤٣٩١ - تقول: ما لاحك يا مسافِرُ * يا بنةَ عمِّي لاحَني الهواجِرُ
وقيل: اللَّوحُ شِدَّةُ العَطَشِ. يقال: لاحَه العطشَ ولَوَّحَه، أي: غَيَّره، وأُنْشدِ:
٤٣٩٢ - سَقَتْني على لَوْحٍ مِنْ الماءِ شَرْبَةً * سَقاها به اللَّهُ الرِّهامَ الغَواديا
(١٤/١٦٤)
---


الصفحة التالية
Icon