والنصبُ قراءةُ العامَّةِ، وابن أبي عبلة وأُبَيُّ بنُ كعبٍ بالرفع. فإنْ كان المرادُ النارَ جاز لك وجهان: أَنْ يكونَ خبراً بعد خبر، وأَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ، أي: هي نذيرٌ، والتذكيرُ لِما تقدَّم مِنْ معنى النَّسَبِ، وإنْ كان المرادُ الباريَ تعالى أو رسولَه عليه السلام كان على خبر مبتدأ مضمرٍ، أي: هو نذيرٌ. "وللبشر" إمَّا صفةٌ. وإمَّأ مفعولٌ لنذير، واللامُ مزيدةٌ لتقويةِ العامل.
* ﴿ لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ﴾
قوله: ﴿لِمَن شَآءَ﴾: فيه وجهان، أحدُهما: أنه بدلٌ من "للبشر" بإعادة العامل كقولِه: ﴿لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَانِ لِبُيُوتِهِمْ﴾ ﴿لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ﴾. وأَنْ يتقدَّمَ مفعولُ "شاء"، أي: نذيرٌ لمَنْ شاءَ التقدُّمَ أو التأخُّرَ، وفيه ذُكِرَ مفعولُ "شاء" وقد تقدَّم أنَّه لا يُذْكَر إلاَّ إذا كان فيه غَرابَةٌ. والثاني: وإليه نحا الزمخشري - وبه بدأ - أَنْ يكونَ "لمَنْ شاءَ" خبراً مقدَّماً، و "أَنْ يتقدَّم" مبتدأ مؤخراً قال: "كقولِك: لِمَنْ توضَّأَ أَنْ يُصَلِّي، ومعناه مطلقٌ لمَنْ شاء التقدُّمَ أو التأخُّرَ أَنْ يتقدَّم أو يتأخَّرَ" انتهى. فقوله "التقدُّمَ والتأخُّرَ" هو مفعولُ "شاء" المقدَّرِ، وقولُه "أَنْ يتقدَّمَ" هو المبتدأ. قال الشيخ: "وهو معنىً لا يتبادَرُ الذِّهْنُ إليه وفيه حَذْفٌ".
* ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾
قوله: ﴿رَهِينَةٌ﴾: فيه أوجهٌ، أحدها: أنَّ "رهينة" بمعنى "رَهْن" كالشتيمة بمعنى الشَّتْم. قال الزمخشري: "ليسَتْ بتأنيثِ "رهين" في قوله "كلُّ امرىء" / لتَأنيثِ النفسِ؛ لأنَّه لو قُصِدَتِ الصفةُ لقيل: "رِهين"؛ لأنَّ فَعيلاً بمعنى مَفْعول يَسْتوي فيه المذكرُ والمؤنثُ، وإنما هي اسمٌ بمعنى الرَّهْن كالشَّتيمة بمعنى الشَّتْم، كأنه قيل: كلُّ نفسٍ بما كَسَبَتْ رَهْنٌ، ومنه بيتُ الحماسة:
(١٤/١٧١)
---