قوله: ﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ﴾: العامَّةُ على رَفْعِ العينِ استئنافاً أي: ثم نحن نُتْبِعُهم، كذا قَدَّره أبو البقاء. وقال: "وليس بمعطوفٍ؛ لأنَّ العَطْفَ يوجِبُ أَنْ يكونَ المعنى: أَهْلَكْنا الأوَّلِيْن، ثم أَتْبَعْناهم الآخِرين في الهلاكِ. وليس كذلكَ؛ لأنَّ هلاكَ الآخرينِ لم يَقَعْ بعدُ". قلت: ولا حاجةَ في وجهِ الاستئنافِ إلى تقديرِ مبتدأ قبلَ الفعل، بل يُجْعَلُ الفعلُ معطوفاً على مجموع الجملةِ من قولِه: "ألم نُهْلِك" ويَدُّلُّ على هذا الاستئنافِ قراءةُ عبدِ الله "ثم سَنُتْبِعُهم" بسينِ التنفيسِ.
وقرأ الأعرجُ والعباسُ عن أبي عمروٍ بتكسيِنها. وفيها وجهان، أحدُهما: أنه تسكينٌ للمرفوعِ فهو مستأنف كالمرفوعِ لفظاً. والثاني: أنَّ معطوفٌ على مجزومٍ. والمَعْنِيُّ بالآخِرين حينئذٍ قومُ شُعَيْبٍ ولوطٍ وموسى، وبالأوَّلِيْنَ قومُ نوحٍ وعادٍ وثمودَ.
* ﴿ كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ﴾
قوله: ﴿كَذَلِكَ نَفْعَلُ﴾: أي: مثلَ ذلك الفعلِ الشَّنيعِ نَفْعَلُ بكلَّ مَنْ أَجْرَمَ.
* ﴿ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ﴾
قوله: ﴿فَقَدَرْنَا﴾: قرأ نافعٌ والكسائيُّ بالتشديد من التقدير، وهو موافِقٌ لقولِه: ﴿مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾ والباقون بالتخفيف من القُدْرة. ويَدُلُّ عليه قولُه: "فنِعْمَ القادِرون". ويجوز أَنْ يكونَ المعنى على القراءة الأولى: فنِعْمَ القادِرون على تقديرِه، وإن جُعِلت "القادِرون" بمعنى "المُقَدِّرُون" كان جَمْعاً بين اللفظَيْنِ، ومعناهما واحدٌ، ومنه قولُه تعالى: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً﴾ وقولُ الأعشى:
٤٤٥٦ - وأَنْكَرَتْني وما كان الذي نَكِرَتْ * من الحوادِث إلاَّ الشَّيْبَ والصَّلعَا
* ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً ﴾
(١٤/٢٣٢)
---


الصفحة التالية
Icon