---
قلت: ومكيٌّ لَمَّا جَعَله منقطعاً جعل البَرْدَ عبارةً عن النومِ، قال: "فإن جَعَلْتَه النومَ كان "حميماً" استثاءً ليس من الأول". وإنما الذي حَمَلَ الزمخشريُّ على الانقطاع مع صِدْقِ اسم الشرابِ على الحميمِ والغَسَّاقِ وَصْفُه له بقولِه "ولا شَراباً يَسَكِّنُ مِنْ عَطِشِهم" فبهذا القَيْدِ صار الحميمُ ليس من جنسِ هذا الشراب. وإطلاقُ البَرْدِ على النوم لغةُ هُذَيْلٍ. وأنشد:
٤٤٧٠ - فإن شِئْتِ حَرَّمْتُ النِّساءَ سواكمُ * وإنْ شِئْتِ لم أَطْعَمْ نُقاخاً ولا بَرْداً
وفي كلامِ بعضِ الأعراب "مَنَعَ البَرْدُ البَرْدَ" قيل: وسُمِّي بذلك لأنه يقطعُ سَوْرةَ العطشِ. والذَّوْقُ على هذين القولين - أعني كونَه رَوْحاً يُنَفِّسُ عنهم الحَرَّ، وكونَه النومَ - مجازٌ. وأمَّا على قولِ مَنْ جعله اسماً للشرابِ الباردِ المُسْتَلَذُّ، ويُعْزَى لابنِ عباس، وأنشد قولَ حَسَّانَ رضي الله عنه:
٤٤٧١ - يَسْقُونَ مْن وَرَدَ البَرِيصَ عليهمُ * بَرْدُاً يُصَفِّقُ بالرَّحيقِ السَّلْسَلِ
وقول الآخر:
٤٤٧٢ - أَمانِيُّ مِنْ سُعْدَى حِسانٌ كأنَّما * سَقَتكَ بها سُعْدى على ظَمَأ بَرْدا
فالذَّوْقُ حقيقةٌ، إلاَّ أنه يضًير فيه تَكْرارٌ بقولِه بعد ذلك: "ولا شراباً".
الثالث: أنه بدلٌ مِنْ قولِه "ولا شراباً"، وهو الأحسنُ لأنَّ الكلامَ غيرُ موجَبٍ. وتقدَّم خلافُ القُراء في ﴿وَغَسَّاقاً﴾ تخفيفاً وتثقيلاً والكلامُ عليه وعلى حميم.
* ﴿ جَزَآءً وِفَاقاً ﴾
قوله: ﴿جَزَآءً﴾: منصوبٌ على المصدر / وعاملُه: إمَّا قولُه "لا يذوقون" إلى آخرِه: لأنَّه في قوةِ: جُوزوا بذلك وإمَّا محذوفٌ. ووِفاقاً نعتٌ له على المبالغةِ، أو على حَذْفِ مضافٍ، أي: ذا موافقة. وقرأ أبو حيوة وابنُ أبي عبلة بتشديد الفاء مِنْ وفَّقه لكذا.
* ﴿ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً ﴾
(١٤/٢٤٩)
---


الصفحة التالية
Icon