قوله: ﴿كِذَّاباً﴾: قرأ العامَّةُ كِذَّابً بتشديدِ الذَّالِ. وكان مِنْ حَقِّ مصدرِ فَعَّل أَنْ يأتيَ على التفعيل نحو: صَرَّف تَصْريفاً. قال الزمخشري: "وفِعَّال في باب فَعَّلَ كلِّه فاشٍ في كلامِ فصحاءَ مِنْ العرب، لا يقولون غيرَه. وسَمِعَني بعضُهم أُفَسِّرُ آية، فقال: "لقد فَسَّرْتَها فِسَّاراً ما سُمِعَ بمثِله". قال غيرُه: وهي لغةُ بعضِ العرب يمانيةٌ، وأنشد:
٤٤٧٣ - لقد طالَ ما ثَبَّطْتَني عن صَحابتي * وعن حاجةٍ قِضَّاؤُها مِنْ شِفائِيا
يريد: تَقَضِّيْها. والأصلُ على التَّفْعيل، وإنَّما هو مثلُ: زَكَّى تَزْكِية. وسُمع بعضُهم يَسْتَفْتي في حَجِّه، فقال: "آلحَلْقُ أحَبُّ إليك أم القَصَّار" يريد التقصيرَ".
وقرأ علي رضي الله عنه والأعمش وأبو رجاء وعيسى البصرة بالتخفيف، وهو مصدرٌ: إمَّا لهذا الفعل الظاهرِ على حَذْفِ الزوائِد، وإمَّا لفعلٍ مقدَّرٍ كـ﴿أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً﴾. قال الزمخشري: وهو مثلُ قولِه :﴿أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً﴾ يعني: وكَذَّبوا بآياتِنا فكَذَبوا كِذابا، و تَنْصِبُه بـ"كَذَّبوا"؛ لأنَّه يتضمَّنُ معنى كَذَبوا؛ لنَّ كلَّ مُكَذِّب بالحقِّ كاذبٌ، وإنْ جَعَلْتَه بمعنى المكاذَبَةِ فمعناه: وكذَّبوا بآياتِنا فكاذَبوا مُكاذَبَةً، أو كَذَّبوا بها مُكاذِبين؛ لأنَّهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين، وكان المسلمون عندهم كاذبين، فبَينهم مكاذَبَةٌ، أو لأنهم يتكلَّمون بما هو إفراطٌ في الكذبِن فِعْلَ مَنْ يغالِبُ في أمرٍ فيَبْلُغُ فيه أقصى جُهْدِه". وقال أبو الفضل: "وذلك لغةٌ لليمينِ، وذلك بأَنْ يَجعلوا مصدرَ "كَذَب" مخففاً "كِذاباً". بالتخفيف، مثل: كَتَبَ كِتاباً، فصار المصدرُ هنا مِنْ معنى الفِعْلٍ دونَ لفظِه مثلَ: أَعْطَيْته عَطاءً. قلت: أمَّا كَذَبَ كِذاباً بالتخفيف فيهما فمشهورٌ، منه قولُ الأعشى:
(١٤/٢٥٠)
---


الصفحة التالية
Icon