قوله: ﴿تِلْكَ﴾: مبتدأٌ مُشارٌ بها إلى الرَّجْفة والرَّدَّة في الحافِرة. و "كَرَّةٌ". خبرُها. و "خاسِرَةٌ" صفةٌ، أي: ذاتُ خُسْرانٍ، أو أُسْنِدَ إليها الخَسارُ، والمرادُ: أصحابُها، مجازاً. والمعنى: إنْ كان رجوعُنا إلى القيامةِ حَقَّاً فتلك الرَّجْعَةُ رَجْعَةٌ خاسِرَةٌ، وهذا أفادَتْه "إذَنْ" فإنها حرفُ جوابٍ وجزاءٍ عند الجمهور. وقيل: قد لا تكونُ جواباً. وعن الحسنِ: إنَّ "خاسرة" بمعنى كاذِبة.
* ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾
قوله: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ﴾: "هي" ضميرُ الكَرَّة، أي: لا تَحْسَبوا تلك الكرَّةَ صعبةً على اللَّهِ تعالى. وقال الزمخشري: "فإنْ قلتَ: بِمَ تَعَلَّقَ قولُه: "فإنما هي"؟ قلت: بمحذوفٍ معناه: لا تَسْتَصْعِبوها، فإنما هي زَجْرَةٌ". قلت: يعني بالتعلُّقِ من حيث المعنى، وهو العطفُ.
* ﴿ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ ﴾
قوله: ﴿فَإِذَا هُم﴾: المفاجأةُ والتَّسَبُّبُ هنا واضحان والسَّاهرة قيل: وجهُ الأرضِ، والفَلاةُ، وُصِفَتْ بما يقع فيها، وهو السَّهَرُ لأجلِ الخوفِ. وقيل: لأنَّ السَّرابَ يَجْري فيها، مِنْ قولِهم: عَيْنٌ ساهرَةٌ. قال الزمخشري: "والسَّاهرةُ: الأرضُ البيضاءُ المستويةُ، سُمِّيَتْ بذلك؛ لأنَّ السَّرابَ يجري فيها، مِنْ قولهم / عينٌ ساهِرَةٌ جارِيةُ الماء، وفي ضَدِّها نائمةٌ. قال الأشعت بن قيس:
٤٤٨٦ - وساهِرَةٍ يُضْحِي السَّرابُ مُجَلِّلاً * لأَقْطارِها قد جُبْتُها مُتَلَثِّما
أو لأنَّ ساكنَها لا ينامُ، خَوْفَ الهَلَكَة" انتهى. وقال أمية:
٤٤٨٧ - وفيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍ * وما فاهوا لهمْ فيها مُقيمُ
يريد: لحمُ حيوانِ أرضٍ ساهرةٍ. وقال أبو كبير الهذلي:
٤٤٨٨ - يَرْتَدْنَ ساهِرَةً كأنَّ جَميمَها * وعَمِيْمَها أسْدافُ ليلٍ مُظْلِمٍ
(١٤/٢٦١)
---


الصفحة التالية
Icon