قوله: ﴿رَفَعَ سَمْكَهَا﴾: جملةٌ مفسِّرةٌ لكيفيةِ البناءِ. والسَّمْكُ: الارتفاعُ. ومعناه في الآيةِ كما قال الزمخشريُّ: "جَعَلَ مقدارَ ذهابِها في سَمْتِ العُلُوِّ مديداً رفعياً". وسَمَكْتُ الشيءَ: رَفَعْتُه في الهواءِ. وسَمَك هو، أي: ارتفعَ سُمُوكاً فهو قاصِرٌ ومتعدٍّ. وسَنامٌ سامِكٌ تامِكٌ، أي: عالٍ مرتفعٌ. وسِماكُ البيت ما سَمَكْتُه به. والسِّماك: نجمٌ معروفٌ، وهما اثنان: رامحٌ وأَعْزَلُ. قال الشاعر:
٤٤٩٣ - إنَّ الذي سَمَكَ السماءَ بنى لنا * بيتاً دعائِمُه أعَزُّ وأَطْوَلُ
* ﴿ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾
قوله: ﴿وَأَغْطَشَ﴾: أي: أظلم بلغةِ أنْمار وأَشْعر. يقال: غَطِش الليل وغَطَّشْتُه أنا، وأَغْطَشْتُه قال:
٤٤٩٤ - عَقَرْتُ لهُمْ ناقتي مَوْهِناً * فلَيْلُهُمُ مُدْلَهِمٌّ غَطِشْ
وليلٌ أغطشٌ وليلةٌ غَطْشاءُ. قال الراغب: "وأصلُه من الأَغْطشِ، وهو الذي في عَيْنه عَمَشٌ. ومنه فَلاةٌ غَطْشى لا يُهْتدى فيها. والتغاطُشُ: التَّعامي" انتهى. ويقال: أَغْطشَ الليلُ، قاصراً كأظلم، فأَفْعَلَ فيه متعدٍّ / ولازمٌ.
وقوله: ﴿وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ فيه حَذْفٌ، أي: ضُحى شمسِها، أو أضافَ الليلَ والضُّحى لها للملابسةِ التي بينها وبينهما.
* ﴿ وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾
قوله: ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾: "بعد" على بابِها من التأخيرِ. ولا مُعارَضَةَ بينها وبين آيةٍ فُصِّلت؛ لأنَّه خلق الأرضَ غيرَ مَدْحُوَّةٍ، ثم خَلَق السماءَ، ثم دحا الأرضَ. وقولُ أبي عبيدة: "إنها بمعنى قَبْل" مُنْكُرٌ عند العلماءِ. ويقال: دحا يَدْحُوا دَحْواً ودَحَى يَدْحي دَحْياً، أي: بَسَط، فهو من ذواتِ الواوِ والياءِ، فيُكتبُ بالألف والياء، ومنه قيل لِعُشِّ النَّعامة: أُدْحُوٌّ، وأُدْحِيٌّ، لانبساطِه في الأرض. وقال أمية:
٤٤٩٥ - وبَثَّ الخَلأْقَ فيها إذ دَحاها * فهم قُطَّانُها حتى التَّنادِي
(١٤/٢٦٤)
---


الصفحة التالية
Icon