وقال الزمخشري أيضاً: "أو أُريد أَنْ لا طعامَ لهم أصلاً؛ لأنَّ الضَّريعَ ليس بطعامٍ للبهائم فضلاً عن الإِنس؛ لأنَّ الطعامَ ما أَشْبَع أو أَسْمَنَ، وهو عنهما بمَعْزِلٍ كما تقول: "ليس لفلانٍ ظلٌّ إلاَّ الشمسُ" تريد نَفْيَ الظلِّ على التوكيد". قال الشيخ: "فعلى هذا يكونُ استثناءً منقطعاً، إذ لم يندَرِجْ الكائنُ مِن الضَّريع تحت لفظِ "طعام" إذ ليس بطعامٍ، والظاهرُ الاتصالُ فيه وفي قولِه ﴿وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ﴾ قلت: وعلى قولِ الزمخشري المتقدم لا يَلْزَمُ أَنْ يكونَ منقطعاً؛ إذ المرادُ نفيُ الشيءِ بدليلِه، أي: إن كان لهم طعامٌ ليس إلاَّ هذا الذي لا يَعُدُّه أحدٌ طعاماً ومثلُه "ليس له ظلٌّ إلاَّ الشمسُ" وقد مضى تحقيقُ هذا عند قولِه: ﴿لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى﴾ وقوله:
٤٥٥٥ - ولا عَيْبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهُمْ *........................
ومثله كثيرٌ.
* ﴿ لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً ﴾
قوله: ﴿لاَّ تَسْمَعُ﴾: قرأ ابن كثير وأبو عمروٍ بالياء / من تحتُ مضمومةً على ما لم يُسَمَّ فاعلُه، "لاغِيةٌ" رفعاً لقيامِه مقامَ الفاعلِ. وقرأ نافع كذلك، إلاَّ أنَّه بالتاء مِنْ فوقُ، والتذكيرُ والتأنيثُ واضحان؛ لأنَّ التأنيثَ مجازيٌّ. وقرأ الباقون بفتح التاءِ مِنْ فوقُ ونصبِ "لاغيةً"، فيجوزُ أَنْ تكونَ التاءُ للخطابِ، أي: لا تَسْمع أنت، وأنْ تكونَ للتأنيثِ، أي: لا تسمعُ الوجوهُ. وقرأ المفضل والجحدريُّ "لا يَسْمَعُ" بياء الغَيْبة مفتوحةً، "لاغيةً" نصباً، أي: لا يَسْمَعُ فيها أحدٌ.
لاغِيَة يجوزُ أَنْ تكونَ صفةً لـ كلمةٍ على معنى النسبِ، أي: ذات لغوٍ أو على إسنادِ الَّغْوِ إليها مجازاً، وأَنْ تكونَ صفةً لجماعة، أي: جماعة لاغية، وأَنْ تكونَ مصدراً كالعافِية والعاقِبة كقولِه: ﴿لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً﴾
* ﴿ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ﴾


الصفحة التالية
Icon