قال الزمخشري: "فإنْ قلتَ بمَ اتَّصَلَ قولُه "فأمَّا الإِنسانُ"؟ قلت: بقولِه: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ فكأنَّه قيل: إنَّ اللَّهَ لا يريدُ من الإِنسانِ إلاَّ الطاعةَ، فأمَّا الإِنسانُ فلا يريد ذلك ولا يَهُمُّه إلاَّ العاجلةَ". انتهى. يعني بالتعلُّقِ مِنْ حيثُ المعنى، وكيف عُطِفَتْ هذه الجملةُ التفصيليةُ على ما قبلَها مترتبةً عليه؟ وقوله: "لا يريد إلاَّ الطاعةَ" على مذهبِه، ومذهبُنا أنَّ اللَّهَ يريد الطاعة وغيرَها، ولولا ذلك لم يقعْ. فسُبحان مَنْ لا يُدْخِلُ فيي مُلْكِه ما لا يُريد. وإصلاحُ العبارةِ أَنْ يقولَ: إنَّ اللَّهَ يريدُ من العبدِ أو الإِنسانِ من غيرِ حَصْرِ. ثم قال: "فإنْ قُلْتَ: فكيف توازَنَ قولُه: ﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ﴾ وقولُه: ﴿وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ﴾، وحقُّ التوازنِ أَنْ يتقابلَ الواقعان بعد "أمَّا" و "أمَّا". تقول: "إمَّا الإِنسانُ فكفورٌ، وأمَّا المَلَكٌ فشَكورٌ"، "أمَّأ إذا أَحْسَنْتَ إلى زيدٍ فهو مُحْسِنٌ إليك، وأمَّا إذا أَسَأْتَ إليه فهو مُسِيْءٌ إليك"؟ قلت: هما متوازنان من حيث إنَّ التقديرَ: وأمَّأ هو إذا ما ابتلاه ربُّه وذلك أنَّ قولَه: ﴿فَيَقُولُ رَبِّيا أَكْرَمَنِ﴾ خبرُ المبتدأ الذي هو الإِنسانُ. ودخولُ الفاءِ لِما في "أمَّا" مِنْ معنى الشرطِ، والظرفُ المتوسِّطُ بين المبتدأ والخبرِ في نيةِ التأخيرِ، كأنه قال: فأمَّا الإِنسانُ فقائِلٌ ربي أكرمَنِ وقتَ الابتلاءِ فَوَجَبَ أَنْ يكونَ "فيقولُ" الثاني خبرَ المبتدأ واجبٌ تقديرُه".
* ﴿ وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيا أَهَانَنِ ﴾
(١٤/٣٣٣)
---


الصفحة التالية
Icon