قوله: ﴿يَغْشَاهَا﴾ المفعولُ للشمس. وقيل: للأرض، وجيء بـ "يَغْشاها" مضارعاً دونَ ما قبلَه وما بعدَه مراعاةً للفواصلِ؛ إذ لو أتى به ماضياً لكان التركيبُ "إذا غَشِيَها" فتفوتُ المناسبةُ اللفظيةُ بين الفواصلِ والمقاطع.
* ﴿ وَالسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا ﴾
قوله: ﴿وَمَا بَنَاهَا﴾: وما بعدَه، فيه وجهان، أحدُهما: أنَّ "ما" موصولةٌ بمعنى الذي، وبه استشَهد مَنْ يُجَوِّزُ وقوعَها على آحادِ أولي العلم؛ لأنَّ المراد به الباري تعالى، وإليه ذهب الحسنُ ومجاهدٌ وأبو عبيدةَ، واختار ابن جرير. والثاني: أنها مصدريةٌ، أي: وبناءِ السماء، وإليه ذهب الزجَّاج والمبرد، وهذا بناءً منهما على أنها مختصةٌ بغيرِ العقلاءِ، واعْتُرِضَ على هذه القولِ: بأنَّه يَلْزَمُ أَنْ يكونَ القَسَمُ ينفس المصارد: بناءِ السماءِ وطَحْوِ الأرض وتَسْوِية النفس، وليس المقصودُ إلاَّ القَسَمَ بفاعلِ هذه الأشياء وهو الرَّبُّ تبارك وتعالى. وأُجيب عنه بوجهَيْن، أحدُهما: يكونُ على حَذْفِ مضافٍ، أي: وربِّ - أو باني - بناءِ السماء ونحوه. والثاني: لا عَرَْ في الأقسام بهذه الأشياء كما أقْسم تعالى بالصبح ونحوه.
وقال الزمشخري: "جُعِلَتْ مصدريةً وليس بالوجهِ لقولهِ "فألهمها" وما يؤدي إليه مِنْ فسادِ الظلم. والوجهُ أَنْ تكونَ موصولةً، وإنما أُوْثِرَتْ على "مَنْ" لإرادة معنى الوصفية كأنه قيل: والسماءِ والقادرِ العظيم لاذي بناها، ونفس والحكيمِ والباهرِ الحكمةِ الذي سَوَّاها. وفي كلامهم: "سبحانَ ما سَخَّرَكُنَّ لنا" انتهى. يعني أنَّ الفاعلَ في "فألهمها" عائدٌ عل اللَّهِ تعالى فليكُنْ في "بناها" كذلك، وحينئذٍ يَلْزَمُ عَوْدُه على شيءٍ وليس هنا ما يمكنُ عَوْدُه عليه غيرُ "ما" فتعيَّنَ أَنْ تكونَ موصولةً.
(١٤/٣٥٠)
---


الصفحة التالية
Icon