قوله: ﴿بِطَغْوَاهَآ﴾: في هذه الباء ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها للاستعانةِ مجازاً، كقوله: "كتبتُ بالقلمِ" وبه بدأ الزمخشري ويعني فَعَلَتِ التكذيبَ بطُغْيانها، كقولك: "ظلمَني بجُرْأتِه على الله تعالى" الثاني: أنها للتعدية، أي: كَذَبَتْ بما أُوْعِدَتْ به مِنْ عذابها ذي الظُّغيان، كقوله تعالى ﴿فَأُهْلِكُواْ بِالطَّاغِيَةِ﴾ والثالث: أنها للسببية، أي: بسبب طُغْيانِها.
وقرأ العامَّةُ "طَغْواها" بفتح الطاءِ وهو مصدرٌ بمعنى الطُّغيان، وإنما قُلِبَتْ الياءُ واواً فَرْقاً بين الاسم والصفةِ، يعني، أنهم يُقِرُّون ياءَ فَعْلى بالفتح صفةً نحو: خَزْيا وصَدْيا، ويَقْلبونها في الاسم نحو: تَقْوى وشَرْوى، وكان الإقرارُ في الوصفِ لأنه أثقلُ مِنْ الاسمِ، والياءُ أخفُّ من الواوِ، فلذلك جُعِلت في الأثقل.
وقرأ الحسن ومحمد بن كعب وحماد بمض الطاء، وهو أيضاً مصدرٌ كالرُّجْعى والحُسْنى، إلاَّ أنَّ هذا شاذ إذ كان مِنْ حَقِّه بقاءُ الياءِ على حالِها كالسُّقْيا وبابها، هذا كلُّه عند مَنْ يقول: طَغَيْتُ طُغْياناً بالياءِ، فأمَّا مَنْ يقول: طَغَوْت بالواو فالواوُ أصلٌ عنده، قاله ابو البقاء، وقد تقدَّم الكلامُ على اللغتين في البقرة والله الحمدُ.
* ﴿ إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴾
قوله: ﴿إِذِ انبَعَثَ﴾: "إذِ" يجوزُ فيه وجهان، أحدُهما: أَنْ يكونَ ظرفاً لـ "كذَّبَتْ" والثاني: أَنْ يكونَ ظرفاً للطَّغْوى.
(١٤/٣٥٣)
---


الصفحة التالية
Icon