قوله: ﴿إِلاَّ الأَشْقَى﴾: قيل: الأَشْقَى والأَتْقى بمعنى الشقيّ والتقيّ ولا تفضيلَ فيهما؛ لأنَّ النارَ ليسَتْ مختصةً بالأكثرِ شقاءً، وتجنُّبها ليس مختصاً بالأكثرِ تَقْوى. وقيل: بل هما على بابِهما، وإليه ذهب الزمخشريُّ قال: "فإنْ قلتَ: كيف قال: "لا يَصْلاها إلاَّ الأشقى" ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى﴾ وقد عُلِمَ كلَّ شقيّ يَصْلاها، وكلَّ تقيّ يُجَنُّبُها، لا يَخْتَصُّ بالصَّلي أشقى الأشقياءِ، ولا بالنجاةِ أتقى الأتقياءِ، وإن زَعَمْتَ أنه نكَّر النار فأراد ناراً بعينها مخصوصةً بالأشقى فما تصنع بقوله ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى﴾؟ فقد عُلِمَ أنَّ أَفْسَق المسلمين يُجَنَّبُ تلك النارَ المخصوصة لا الأتقى منها خاصة. قلت: الاية واردةٌ في لموازنةِ بين حالتَيْ عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأُريد يُبالغَ في صفتَيْهما المتاقضتَيْن فقيل: الأشقَى، وجُعِل مختصَّاً بالصَّلْي، كأن النارَ لم تُخْلَقْ إلاَّ له. وقيل: الأتقى. وجُعل مختصَّاً بالنجاةِ، كأنَّ الجنةَ لم تُخْلَقْ إلاَّ له. وقيل: هما أبو جهل - أو أمية بن خلق - وأبو بكر الصديق رضي الله عنه" انتهى. فآل جوابُه إلى أنَّ المرادَبهما شخصان معيَّنان.
* ﴿ الَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾
قوله: ﴿يَتَزَكَّى﴾: قرأ العامَّةُ ﴿يَتَزَكَّى﴾ مضارعَ تَزَكَّى، والحسن بن علي بن الحسن بن علي أمير المؤمنين يَزَّكَّى بإدغامِ التاءِ في الزاي. وفي هذه الجملةِ وجهان، أحدُهما: أنها في موضع الحالِ من فاعل "يُؤْتي" أي: يُؤتيه مُتَزَكِّياً به. والثاني: أنها لا موضعَ لها من الإعراب، على أنها بدلٌ مِنْ صلة "الذي" ذكرهما الزمخشري وجعل الشيخُ متكلَّفاً.
* ﴿ وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى ﴾
قوله: ﴿تُجْزَى﴾: صفةٌ لنعمةٍ، أي: تُجْزي الإنسانَ، وإنما جيْ به مضارعاً مبنياً للمعفولِ لأجلِ الفواصل؛ إذ الأصلُ يُجْزيها إياه أو يُجْزيه إياها.


الصفحة التالية
Icon