قوله: ﴿أَن رَّآهُ﴾: "أنْ" مفعولٌ له، أي: لرؤيتِه نفسَه مُسْتَغْنياً. وتعدَّى الفعل هنا إلى ضميرَيْه المتصلَيْن؛ لأنَّ هذا مِنْ خواصِّ هذا البابِ. قال الزمخشري: "ومعنى الرؤسةِ العِلْمُ لو كانَتْ بمعنى الإبصار لامتنعَ في فِعْلِها الجمعُ بين الضميرَيْن، و"استغنى" هو المفعول الثاني". قلت: والمسألةُ فيها خلافٌ: ذهب جماعةٌ إلى أنَّ "رأى" البَصَرية تُعْطي حُكْمَ العِلْمَّية، وجَعَلَ مِنْ ذلك قولَ عائشة - رضي اللَّهُ عنها - "لقد رَأَيْتُنا مع رسول الله ﷺ وما لنا طعامٌ إلاَّ الأسْوَدان" وأنشد:
٤٦٠٥- ولقد أَراني للرِّماح دَرِيْئَةً * مِنْ عَنْ يمين تارىةً وأمامي
وتقدَّم تحقيقُه. وقرأ قنبل بخلافٍ عنه "رَأَه" دونَ ألفٍ بعد الهمزة وهو مقصورٌ مِنْ "رآه" في قراءة العامَّةِ، ولا شكَ أنَّ الحَذْفَ في مثلِه جاء قليلاً كقولهم: "اصابَ الناسَ جَهْدٌ، ولو تَرَ أهلَ مكةَ" بحَذْفِ لامِ "ترى" وقول الآخر:
٤٦٠٦- وَصَّانِيَ العَجَّجُ فيما وَصَّني
يريد: وصَّاني ولَمَّا روَى ابن مجاهد هذه القراءةَ عن قنبل وقال: "قرأتُ بها عليه" نَسبه فيها إلى الغلظ. ولا يَنْبغي ذلك لأنه إذا ثبتَتْ قراءةُ ولها وجهٌ وإنْ كان غيرُه أشهرَ منه فلا يَنْبغي أَنْ يُقْدِمَ على تَغْليِطه.
* ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ﴾
قوله: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي﴾: قد تقدَّم لك الكلامُ على هذا الحرفِ مُسْتوفي، وللزمخشريِّ هنا كلامٌ رَأَيْتُ ذِكْرَه لخصوصيَّةٍ تَتَعلَّقُ به قال: "فإن قلتَ: ما متعلَّقُ "أَرَأَيْت"؟ قلت: "الذي يَنْهى" مع الجملةِ الشرطية وهما في مضوع المفعولَيْنِ. فإن قلت: فأين جوابُ الشرط؟ قلت: هو محذوفٌ تقديرُه: إنْ كان على الهُدى أو أمر بالتقوى
(١٤/٣٧٢)
---