ألم يعلَمْ بأنَّ اللَّهَ يرى، وإنما حُذِفَ لدلالة ذِكْرِه في جوابِ الشرطِ الثاني. فإنْ قلتَ: كيف صََحَّ أَنْ يكونَ "ألم" يعلمْ" جواباً للشرِط؟ قلت: كما صَحَّ في قولك: إنْ أَكْرَمْتُك أتكرِمُني، وإن أَحْسَنَ إليك زيدٌ هل تُحْسِنُ إليه؟ فإنْ قلتَ: فما أَرَأَيْتَ الثانيةُ وتوسُّطُها بين معفولَيْ "أَرَأَيْتَ"؟ قلت: هي زائدةٌ مكررةٌ للتوكيد" قلت: وإذ قد تَعَرَّض للكلامِ في هذه الآية فَلْنَجْر معه:
أعلَمْ أَنَّ "ارَأَيْت" - كما عَلِمْتَ - لا يكونُ مفعولُها الثاني إلاَّ جملةً استفهامية كقوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ﴾ إلى آخرِها. ومثلُه كثيرٌ وهنا "أرَأَيْتَ" ثلاثَ مراتٍ وقد صَرَّحَ بعد الثالثةِ منها بجملةٍ استفهاميةٍ فتكونُ في موضعِ المفعولِ الثاني لها ومعفولُها الأولُ محذوفٌ وهو ضميرٌ يعودُ على "الذي يَنْهَى" الواقعِ مفعولاً أولَ لـ "أَرَأَيْتَ" الأولى ومفعولُ "أَرَأيْتَ" الأولى الذي هو الثاني محذوفٌ وهو جملةٌ استفهاميةٌ كالجملةِ الواقعةِ بعد "أَرَأَيْتَ" الثالثة وأمَّا "أرأَيْتَ" الثالثةِ عليه فقد حُذِف الثاني مِنْ الأولى والأولُ من الثالثةِ والانثان مِنْ الثانيةِ. وليس طَلَبُ كلٍ مِنْ "أَرَأَيْتَ" للجملةِ الاسمية على سبيلِ التنازع لأنه يَسْتدعي إضماراً والجملُ لا تُضْمَرُ إنما تُضْمَرُ المفردات وإنما ذلك مِنْ بابِ الحَذْفِ للدلالةِ. وأمَّا الكلامُ على الشرطِ مع "أَرَأَيْتَ" هذه فقد عَرَفْتَه ممَّا في الأنعام في نُطيل الكلامَ بإعادتِه. وتجويزُ الزمشخريِّ وقوعَ جوابِ الشرط استفهاماً بنفسِه لا يجوزُ بل نَصُّوا على وجوبِ ذِكْرِ الفاءِ في مثله وإن وَرَدَ شيءٌ فهو ضرورةٌ.
* ﴿ كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ﴾
(١٤/٣٧٣)
---


الصفحة التالية
Icon