وقرأ علي وزيد بن علي وقتادة وابن أبي ليلى بتشديد السين، وهما لغتان بمعنىً واحدٍ أعني التثقيلَ والتخفيفَ. وقال الزمخشري: "التشديدُ للتعديةِ والباءُ مزيدةٌ للتأكيدِ كقوله: ﴿وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً﴾ وهي مبالَغَةٌ في "وَسَطْن" انتهى. وقوله: "وهي مبالَغَةٌ" يناقِضُ قولَه أولاً "للتعدية"؛ لأن التشديدَ للمبالغة لا يُكْسِبُ الفعلَ مفعولاً آخر تقول: "ذَبَحْتُ الغنم" مخففاً ثم تبالغُ فتقول: "ذَبَّحْتها" مثقلاً، وهذا على رأيه قد جَعَلَه متعدياً بنفسِه بدليلِ جَعْلِه الباءِ مزيدةً فلا يكون للمبالغة.
* ﴿ إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾
قوله: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ﴾: هذا هو المُقْسَم عليه و"لرَبَّه" متعلِّقٌ بالخبرِ، وقُدِّم للفواصلِ. والكَنُوْدُ: الجَحُوْد. وقيل: الكَفورُ النعمةِ وأُنْشِد:
٤٦٢٨- كَنُوْدٌ لِنَعْماءِ الرجالِ ومَنْ يَكُنْ * كَنُوداً لِنَعْماءِ الرجالِ يُبَعَّدِ
وعن ابن عباس: هو بلسانِ كِنْدَةَ وحَضْرَمَوْتَ العاصي، وبلسان ربيعةَ ومُضَرَ الكَفورُ، وبلسان كِنانةَ البخيل. وأنشد أبو زيد:
٤٦٢٩- إنْ تَفْتْني لم أَطِبْ عنك نَفْساً * غيرَ أنِّي أُمْنَى بدَيْنٍ كَنُودِ
* ﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾
قوله: ﴿لِحُبِّ﴾: اللامُ متعلِّقَةٌ بـ "شديدٌ" وفيه وجهان، أحدهما: أنها المعدِّيةُ. والمعنى: وإنَّه لقَويٌّ مُطيقٌ لِحُبِّ الخير يقال: هو شديدٌ لهذا الأمرِ، أي: مُطيقٌ له والثاني: أنها للعلةِ، أي: وإنَّه لأجلِ حبِّ المالِ لَبخيلٌ. وقيل: اللامُ بمعنى "على ولا حاجةَ إليه، وقد يُعَبَّرُ بالشديد والمتشدِّدِ عن البخيل قال:
٤٦٣٠- [رأى] الموتَ يَعْتامُ الكرامَ ويَصْطَفى * عَقيلةَ مالِ الفاحشِ المتشدِّدِ
(١٤/٣٨٩)
---