وقال الفراء: "أصلُ نَظْمِ الآية أَنْ يقالَ: وإنه لشديدُ الحُبِّ للخير، فلما قَدَّم "الحُبّ" قال: لشديد، وحَذَفَ مِنْ آخرِه ذِكْرَ "الحُبِّ"؛ لأنه قد جرى ذَكْرُه، ولرؤوسِ الآي كقوله: ﴿فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ والعُصُوف للريح لا لليوم، كأنه قال: في يومٍ عاصفِ الريح".
* ﴿ أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ﴾
قوله: ﴿إِذَا بُعْثِرَ﴾: في العاملِ فيها أوجهٌ أحدُها: "بُعْثَرَ" نقله مكي عن المبرد وتقدّضم تحريرُه هذا قريباً في السورة قبلَها. والثاني: أنه ما دَلَّ عليه خبرُ "إنَّ" أي: إذا بُعْثر جُوزوا. والثالث: أنه "يَعْلَمُ"، وإليه ذهب الحوفيُّ وأبو البقاء. ورَدَّه مكيُّ قال: "لأنَّ الإنسانَ لا يُرادُ بمنه العِلْمُ والاعتبارُ ذلك الوقتَ، وإنما يَعْتَبِرُ في الدنيا ويعلَمُ" وقال الشيخ: "ولي بمتَّضِحٍ لأنَّ المعنى: أفلا يعلَمُ الآن.
وكان قد قال قبل ذلك: "ومفعولُ يَعْلَمُ محذوفٌ وهو العاملُ في الظرفِ، أي: أفلا يعلم مآلَه إذا بُعْثِرَ" انتهى. فجَعَلها متعديةً في ظاهرِ قوله إلى واحدٍ، وعلى هذا فقد يُقال: إنها عاملةٌ في "إذا" على سبيلِ أنَّ "إذا" مفعولٌ به لا ظرفٌ إذ التقديرُ: أفلا يَعْرِفُ وقتَ بَعْثَرَةِ القبورِ. يعني أَنْ يُقِرَّ بالبعث ووقتِه، و"إذا" قد تصر‍َّفَتْ وخَرَجَتْ عن الظرفية، ولذلك شواهدُ تقدَّم ذكْرُها في غضونِ هذا التصنيفِ. الرابع: أنَّ العاملَ فيها محذوفٌ، وهو معفولٌ "يَعْلَمُ" كما تقدَّم تقريرُه، أي: يعلمُ مآلَه إذا بُعْثِرَ. ولا يجوزُ ان يعملَ فيه "لَخبيرٌ" لأنَّ ما في حَيِّز "إنَّ" لا يتقدَّمُ عليها.
(١٤/٣٩٠)
---


الصفحة التالية
Icon