قوله: ﴿كَالْفَرَاشِ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ خبراً للناقصةِ، وأَنْ يكونَ حالاً مِنْ فاعل التامَّةِ، أي: يُوْجَدُون ويُحْشَرونَ شِبْهَ الفَراشَ، وهو طائرٌ معروفٌ وقيل: هو الهَمَجُ من البعوض والجَرادِ وغيرهما، وبه يُضْرِبُ المَثَلُ في الطَّيْشِ والهَوْجِ يقال: "أَطَيْشُ مِنْ فَراشة" وأُنْشد:
٤٦٣٢- فَراشَةُ الحُلْمِ فِرْعَوْنُ العذابِ وإنْ *يُطْلَبُ نَداه فكَلْبٌ دونَه كَلْبُ
وقال آخر:
٤٦٣٣- وقد كانَ أقوامٌ رَدَدْتُ قلوبَهُمْ * عليهم وكانوا كالفراشِ من الجهلِ
والفَراشةُ: الماءُ القليل في الإناء، وفراشة القُفْلِ لشَبَها بالفَراشة. وفيت شبيه الناسِ بالفَراشِ مبالغاتٌ شتى منها: الطيشُ الذي يلْحَقُهم، وانتشارُهم في الأرض، ورُكوبُ بعضهم بعضاً، والكثرةُ والضَّعْفُ والذِّلَّةُ والمجيءُ مِنْ غير ذَهابٍ. والقَصْدُ إلى الداعي من كل جهةٍ، والتطايرُ إلى النار. قال جرير:
٤٦٣٤- إنَّ الفرزدقَ ما عَلِمْتَ وقومَه * مثلُ الفَراشِ غَشِيْنَ نارَ المُصْطَلي
والعِهْنُ تقدَّم في سأل.
* ﴿ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴾
قوله: ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾: أي: هالكةٌ، وهذا مَثَلٌ يقولون لمَنْ هَلَكَ: "هَوَتْ أمُّه" لأنه إذا سَقَطَتْ أمُّه ثُكْلاً وحُزْناً. وعليه قولُ الشاعر:
٤٦٣٥- هَوَتْ أمُّه ما يَبْعَثُ الصبحُ * غادياً وماذا يَرُدُّ الليلُ حين يَؤُوبُ
وقرأ طلحة "فإمُّه" بكسرِ الهمزة. نَقَل ابنُ خالَوَيْه عن ابنِ دريد أنها لغةٌ. والنحويون لا يُجيزون ذلك إلاَّ إذا تقدَّمها كسرةٌ أو ياءٌ. وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في سورةِ النساء، واختلافُ القُرَّاء فيه.
* ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ﴾
(١٤/٣٩٣)
قوله: ﴿مَا هِيَهْ﴾: مبتدأ وخبرٌ سادَّان مَسَدَّ المفعولَيْن لـ "أَدْراك" وهو التعليقِ و"هي" ضميرُ الهاويةِ، إنْ كانت الهاويةَُ كما قيل اسماً لـ دَرَكَةٍ مِنْ دَرَكاتِ النار، وإلاَّ عادَتْ على الداهية المفهومةِ من الهاوية. وأسقط هاءَ السكت حمزةُ وَصْلاً. وقد تقدّضم تحقيقُ هذا في الحاقة. و"نارٌ" خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هي نارٌ.


الصفحة التالية
Icon