قوله: ﴿فَذَلِكَ﴾: فيه وجهان، أحدهما: أنَّ الفاءَ جوابُشرط مقدرٍ، أي: إن تأمَّلُتَه، أو إنْ طَلَبْتَ عِلْمضه فذلك. والثاني: أنَّها عاطفةٌ "فذلك" على "الذي يَكَذِّبُ" إمَّا عَطْفَ ذاتٍ على ذاتٍ، أو صفةٍ على صفةٍ. ويكونُ جوابُ أَرَأَيْتَ" محذوفاً لدللالةِ ما بعدَه عليه. كأنه قيل: أَخْبِرْني، وما تقولُ فيمَنْ يُكَذِّبُ بالجزاءِ وفيمَنْ يُؤْذِي اليتيمَ ولا يُطْعِمُ المسكينَ أنِعْمَ ما يصنعُ؟ فعلى الأولِ يكونُ اسمُ الإشارةِ في محلِّ رَفْع بالابتداء، والخبرُ الموصولُ بعده، وإمَّا على أنه خبرٌ لمبتدأ مضمرٍ، أي: فهو ذاك والموصولُ نعتُه. وعلى الثاني يكونُ منصوباً لِنَسَقِه على ما هو منصوبٌ.
إلاَّ أنَّ الشيخَ رَدَّ الثاني فقال: "فجعل ذلك" في موضعِ نصبٍ عطفاً على المفعولِ، وهو تركيبٌ غريبٌ كقولك: "أَكَرَمْتُ الذي يَزورُنا فذلك على الذي يُحْسِنُ إلينا" فالمتبادَرُ إلى الذهنِ أنَّ "فذلك" مرفوعٌ بالابتداء. وعلى تقدير النصبِ يكونُ التقديرُ: أَكرمْتُ الذي يزورُنا فأكرَمْتُ ذلك الذين يُحْسِنُ إلينا. فاسمُ الإشارةِ في هذا التقيرِ غيرُ متمكِّنِ تَمَكُّنَ ما هو فصيحٌح إذ لا حاجةَ أَنْ يُشارَ إلى الذي يزورُنا؛ بل الفصيحُ: أَكرَمْتُ الذي يزورُنا، فالذي يُحْسِن إلينا، أو أكَرَمْتُ الذي يزورُنا فيُحْسِنُ إلينا. وأمَّا قولُه "إمَّا عَطْفُ ذاتٍ على ذاتٍ" فلا يَصِحُّ لأنَّ "فذلك" إشارةٌ إلى الذي يُكَذِّبُ جوابُ أرأيتَ محذوفاً" فهذا لا يُسَمى جواباً بل هو في موضع المفعولِ الثاني لـ "أرَأيْتَ" وأمَّا تقديرُه "أنِعْمَ ما يصنعُ"؟ فهمزةُ الاستفهام لان نعلُم دخولَها على نِعْم ولا بئسَ؛ لأنهما إنشاءٌ والاستفهامٌ لا يدخلُ إلاَ على الخبر" انتهى.
(١٤/٤٠٥)
---