ويُجابُ عن الأولِ: أنه أمرَه على الغالب فلذلك أتى بالحَصْرِ وأمَّا ما حكاه عن سيبويه فظاهرُه معه حتى يقومَ دليلٌ على غيرِه. وعن إعمالِه اسمَ الفاعل مُفَسِّراً له بالماضي بأنه على حكايةِ الحالِ كقوله تعالى: ﴿وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ﴾ وقوله: ﴿وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ نحوهُ.
وأمَّا قوله: "كان مُوَحِداً مُنَزِّهاً" فمُسَلَّمٌ. وقوله: "وهذه أعظمُ العباداتِ" مُسَلَّم أيضاً. ولكن المرادَ في الآية عبادةٌ مخصوصةٌ، وهي الصلاةُ المخصوصةُ؛ لأنَّها يُقابِلُ بها ما كان المشركون يَفْعَلونه من سجوِدهم لأصنامِهم وصلاتِهم لها، فقابَلَ هذا ﷺ بصَلاتِه تباركَ تعالى. ولكنَّ نَفْيَ كلامِ الزمخشريِّ يُفْهِمُ أنه ﷺ لم يكُنْ مُتعبِّداً قبل المبعَثِ، وهو مذهبٌ مرجوحٌ جداً ساقطُ الاعتبارِ؛ لأنَّ الأحاديث الصحية تَرُدُّه وهي: كان يتحنَّث، كان يتعبَّدُ، كان يصومُ، كان يطوفُ كان يَقف، ولم يقُلْ بخلافه إلاَّ شذوذٌ مِنْ الناس. وفي الجملة فالمسألةٌ خلافيةٌ. وإذا كان متعبِّداً فبأيِّ شَرْعٍ كان يتعبَّد؟ قيل: بشرعِ نوحٍ: وقيل: إبراهيم. وقيل: موسى. وقيل: عيسى، ودلالئلُ هذه في الأصولِ فلا نتعرَّضُ لها.
(١٥/٤)
---


الصفحة التالية
Icon