وقرأ العامة "لَهَبٍ" بفتح الهاء. وابنُ كثيرٍ بإسكانِها. فقيل: لغتان بمعنى، نحو النَّهْر والنَّهَر، والشَّعْر والشَّعَر، والنَّفَر والنَّفءر، والضَّجَر والضَّجْر. وقال الزمشخري: "وهو مِنء تغييرِ الأعلامِ كقوله: "شُمْس ابن مالك" بالضم، يعني أنَّ الأصلَ شَمْسِ بفتح الشين فَغُيِّرَتْ إلى الضَمِّ، ويُشير بذلك لقولِ الشاعر:
٤٦٦٩- وإنِّي لَمُهْدٍ مِنْ ثَنَائِي فَقاصِدٌ بِهِ * لابنِ عَمِّ الصِّدْقِ شُمْسش بنِ مالكِ
وجَوَّزَ الشيخُ في "شُمْس" أَنْ يكونَ منقولاً مِنْ "شُمْس" الجمع مِنْ قوله: "أذنابُ خيلٍ شُمْسٍ" فلا يكونُ من التغير في شيءٍ. وكَنَى بذلك: إمَّا لالتهابِ وجنَتَيْه، وكان مُشْرِقَ الوجهِ أحمرَه، و إمَّا لِما يَؤُول إليه مِنْ لَهَبِ جنهمَ، كقولهم: أبو الخير وأبو الشَّرِّ لصُدورِهما منه. وإمَّا لأنَّ الكُنيةَ أغلبُ من الاسم، أو لأنَّها أَنْقصُ منه، ولذلك ذكرَ الأنبياءَ بأسمائِهم دون كُناهم، أو لُقُبحْ اسمِه، فإنَّ اسمَهِ "عبد العُزَّى" فعَدَل إلى الكُنية، وقال الزمشخري: "فإنْ قلتَ: لِمَ كَناه والكُنيةُ تَكْرُمَةٌ؟ ثم ذكَرَ ثلاثة أجوبةٍ: إمَّا لشُهْرَتِه بكُنْيته، وإمَّا لقُبْحِ اسمِه كما تقدَّم، وإمَّا لأنَّ مآله إلى لهبِ جهنم". انتهى. وهذا يقتضي أنَّ الكنية أشرفُ وأكملُ لا أنقصُ، وهو عكسُ قولٍ تقدَّمَ آنفاً.
وقُرئ: ﴿يدا أبي لَهَبَ﴾ بالواو في مكانِ الجرِّ. قال الزمخشري: "كما قيل: عليُّ بن أبو طالب، ومعاويةُ بنُ أبو سفيان، لئلا يتغيَّرَ منه شيءٌ فيُشْكِلَ على السامع ولـ فَلِيْتَةَ بنِ قاسمٍ أمير مكة ابنان، أحدُهما: عبدِ الله بالجرِّ، والآخرُ عبدَ الله بالنصب" ولم يَختلف القُرَّاءُ في قوله: ﴿ذات لَهَب﴾ أنها بالفتح. والفرقُ أنها فاصلةٌ فلو سَكَنَتْ زال التَّشاكلُ.
* ﴿ مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾
(١٥/٨)
---


الصفحة التالية
Icon