والثاني: أَنْ يُنْصَبَ على الحال مِنْ "أحد" لأنَّه كان صفتَه فلمَّا تقدَّم عليه نُصِب حالاً، و"له" هو الخبر. قاله مكي وأبو البقاء وغيرُهما. ويجوز أَنْ يكونَ حالاً من الضمير المستكِنِّ في الجارِ لوقوعِه خبراً. قال الشيخ بعد أَنْ حكى كلامَ الزمشخري ومكي: "وهذه الجملةُ ليسَتْ من هذا الباب وذلك أنَّ قوله: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ ليس الجارُّ والمجرورُ فيه تامَّاً، إنما ناقصٌ لا يَصْلُحُ أَنْ يكونَ خبراً لـ"كان" بل هو متعلِّقٌ بـ "كُفُواً" وقُدِم عليه. التقدير: ولم يكنْ أحدٌ مكافِئاً له، فهو في معنى المفعولِ متعلِّقٌ بـ"كُفُواً" وتَقَدَّم على "كُفُواً" للاهتمام به، إذ فيه ضميرُ الباري تعالى، وتوسَّطَ الخبرُ وإنْ كان الأصلُ التأخيرَ؛ لأنَّ تأخيرَ الاسمِ هو فاصلةٌ فحَسُنَ ذلك.
وعلى هذا الذي قَرَّرْناه يَبْطُل إعرابُ مكي وغيرِه أنَّ "له" الخبرُ، و"كُفُواً" حالٌ مِنْ "أحد" لأنه ظرفٌ ناقصٌ لا يَصْلُح أَنْ يكونَ خبراً. وبذلك يَبْطُل سؤالُ الزمشخريِّ وجوابُه. وسيبويه إنما تكلَّم في الظرفِ الذي يَصْلُح أَنْ يكونَ خبراً وأنْ لا يكون. قال سيبويه: "وتقول: ما كان فيها أحدٌ خيرٌ منك، وما كان [أحدٌ] مثلُك فيها، وليس أحدٌ فيها خبرٌ منك، إذا جعلت "فيها": مستقراً، ولم تجعَلُه على قولك: فيها زيدٌ قائمٌ أَجْرَيْتَ الصفةَ على الاسم. فإن جَعَلْتَه على "فيها زيدٌ قائمٌ" نَصَبْتَ فتقول: ما كان فيها أحدٌ خيراُ منك، وما كان أحدٌ خيراُ منك فيها، إلاَّ أنَّكَ إذا أرَدْتَ الإلْغاءَ فلكما أَخَّرْتَ المُلْغَى فهو أَحْسَنُ، وإذا أردْتَ أَنْ يكونض مستقرَّاً فكلما قَدّضمْته كان أحسنَ، والتقديمُ والتأخيرُ والإلغاءُ والاستقرارُ عربيٌُّ جيدٌ كثيرٌ قال تعالى: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ وقال الشاعر:
٤٦٨٠- ما دامَ فيهنَّ فَصِيْلٌ حَيَّاً
(١٥/١٤)
---


الصفحة التالية
Icon