و "مِنْ قبلِك" متعلِّقٌ بـ "أُنْزِلَ"، و "مِنْ" لابتداء الغاية، و "قيل" ظرف زمان يقتضي التقدُّم، وهو نقيضٌ "بعد"، وكِلاهما متى نُكِّر أو أُضيف أُعْرِبَ، ومتى قُطع من الإضافة لفظا/ وأُرِيدت معنى بُني على الضم، فمِن الإعرابِ قولُه:
١٢٥- فساغَ ليَ الشرابُ وكنت قَبْلاً * أكاد أَغَصُّ بالماءِ القَراحِ
وقال آخر:
١٢٦- ونحن قَتَلْنَا الأُسْدَ أُسْدَ خَفِيَّةٍ * فما شَرِبوا بَعْداً على لَذَّةً خَمْراً
ومن البناء قولُه تعالى: ﴿مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ﴾ وزعم بعضُهم أن "قبل" في الأصل وصفٌ نابَ عن موصوفِه لُزوماً، فإذا قلت: "قمتُ قبلَ زيد" فالتقدير: قمت زماناً قبلَ زمانِ قيامِ زيدٍ، فحُذِف هذا كلُّه، ونَاب عنه "قبل زيد" وفيه نظرٌ لاَ يَخْفى على مُتَأمِّله.
واعلمْ أنَّ حكمَ فوق وتحت وعلى وأوَّل حكمُ قبل وبعد فيما تقدَّم، وقرئ: "بما أَنْزَلَ إليك
مبنيَّاً للفاعلِ وهو اللهُ تعالى أو جبريلُ، وقُرئ أيضاً: أُنْزِلْ لَيْكَ بتشديد اللام، وتوجيهه أن يكونَ سكَّن آخرَ الفعل كما سكَّنه الآخر في قوله:
١٢٧- إنما شِعْريَ مِلْحٌ * قد خُلْط بجُلْجُلانْ
بتسكين "خُلْط" ثمّ حَذَف همزةَ "إليك"، فالتقى مثلان فَأَدْغَمَ.
و "بالآخرةِ" متعلِّقٌ بيوقنون، و "يُوقنون" خبرٌ عن "هم" وقُدِّم المجرورُ للاهتمام به كما قُدِّمَ المُنْفَقُ في قوله: ﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ لذلك، وهذه جملةٌ اسميةٌ عُطِفَتْ على الجملةِ الفعليةِ قبلَها فهي صلةٌ أيضاً، ولكنه جاء بالجملة هنا من مبتدأ وخبر بخلاف: ﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ لأن وصفهم بالإيقان بالآخرةِ أَوْقَعُ مِنْ وَصْفِهم بالإنفاق من الرزقِ فناسَبَ التأكيدَ بمجيء الجملةِ الاسميةِ، أو لئلاَّ يتكرَّرَ اللفظُ لو قيلَ: ومِمَّا رَزَقْناهم هم ينفقون.
(١/٦٧)
---