قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾: "الصيامُ" مفعولُ لم يُسَمَّ فاعلُه وقُدِّم عليه هذه الفَضْلَةُ وإنْ كان الأصلُ تأخيرها عنه لأنَّ البداءة بذكرِ المكتوبِ عليه آكدُ مِنْ ذِكْر المكتوبِ لتعلُّق الكتب بِمَنْ يؤدِّي.
والصيام: مصدرُ صام يصوم صوماً، والأصلُ: صِواماً، فَأُبْدِلَتْ الواوُ ياءٌ والصومُ مصدرٌ أيضاً، وهذان البناءانِ - أعني فَعْل وفِعال - كثيرا، في كلِّ فعلٍ واويِّ العينِ صحيحِ اللامِ، وقد جاء منه شيءٌ قليل على فُعول قالوا: غار غُووراً، وإنما استكرهوه لاجتماعِ الواوَيْنِ /، ولذلك هَمَزه بعضُهم فقال: الغُؤُور. والصيام لغةً الإِمساكُ عن الشيء مطلقاً، ومنه: صامَتِ الريحُ: أمسكَتْ عن الهبوبِ، والفرسُ: أَمْسَكَتْ عن العَدْوِ، [وقال]:
٨٣٥ - خيلٌ صِيامُ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ * تحتَ العَجاجِ وأُخْرى تَعْلِكُ اللُّجُما
وقال تعالى: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْماً﴾ أي: سكوتاً لقوله: ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً﴾. وصامَ النهارُ أي: اشتدَّ حَرَّه، قال:
٨٣٦ - حتى إذا صامَ النهارُ واعتَدَلْ * ومالَ للشمسِ لُعابٌ فَنَزَلْ
كأنهم تَوَهَّموا ذلك الوقتَ إمساكَ الشمسِ عن المَسِيرِ. ومَصَامُ النجومِ: إمساكُها عن السيرِ، قال المرؤ القيس:
٨٣٧ - كأنَّ الثُّرِيَّا عُلِّقَتْ في مَصامِها * بأمراسِ كُتَّانٍ إلى صُمِّ جَنْدَلِ
(٢/٢٥٠)
---