قوله: ﴿كَمَا كُتِبَ﴾ فيه خمسةُ أوجهٍ، أحدها: أنَّ محلَّها النصْب على نعتِ مصدرٍ محذوفٍ أي: كُتِبَ كَتْباً مثلَ ما كُتِبَ. الثاني: أنه في محلِّ حالٍ من المصدرِ المعرفةِ أي: كُتِبَ عليكم الصيامُ الكَتْبَ مُشْبِهاً ما كُتِبَ. و "ما" على هذين الوجهينِ مصدريةٌ. الثالث: أن يكون نعتاً لمصدرٍ من لفظِ الصيام، أي: صوماً مثلَ ما كُتِبَ. فـ"ما" على هذا الوجه بمعنى الذي، أي: صوماً مماثلاً للصومِ المكتوبِ على مَنْ قبلكم. و "صوماً" هنا مصدر مؤكِّد في المعنى، لأنَّ الصيامَ بمعنى: أنْ تصُومُوا صوماً، قاله أبو البقاء، وفيه أنَّ المصدرَ المؤكِّد يُوصَفُ، وقد تقدَّم مَنْعُه عندَ قولِهِ تعالى ﴿بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾. وقال الشيخ - بعد أَنْ حكى هذا عن ابن عطية - "وهذا فيه بُعْدٌ؛ لأنَّ تشبيهَ الصوم بالكتابةِ لا يصحُّ، هذا إن كانت "ما" مصدريةً، وأمّا إن كانت موصولةً ففيه أيضاً بُعْدٌ؛ لأنَّ تشبيه الصومِ بالصومِ لا يَصِحُّ إلاَّ على تأويلٍ بعيدٍ".
الرابع: أن يكونَ في محلِّ نصبٍ على الحالِ من "الصيام"، وتكونُ "ما" موصولةً، أي: مُشْبهاً الذي كُتِبَ. والعاملُ فيها "كُتِبَ" لأنه عاملٌ في صاحبِها. الخامس: أن يكونَ في محلِّ رفعٍ لأنَّه صفةٌ للصيامِ، وهذا مردودٌ بأنَّ الجارَّ والمجرورَ من قبيلَ النكرات والصيامُ معرفةٌ، فكيف تُوصَفُ المعرفةُ بالنكرةِ؟ وأجابَ أبو البقاء عن ذلك "بأنَّ الصيامَ غيرُ مُعَيَّنٍ" كأنه يعني أنَّ "أل" فيه للجنسِ والمعرَّفُ بأل الجنسيةِ عندهم قريبٌ من النكرةِ، ولذلك جازَ أن تَعْتَبِ{َ لفظة مرةً ومعناه أخرى، قالوا: "أهلك الناسَ الدينارُ الحمرُ والدِرْهَمُ البيض" ومنه:
٨٣٨ - ولقد َمُرُّ على اللئيمَ يَسُبُّنِي * فَمَضَيْتُ ثمَّتَ قُلْتُ لا يَعْنِيني
(٢/٢٥١)
---