واختلف النحويون في كيفيةِ العَدْلِ، فقال الجمهورُ: إنه عَدْلٌ عن الألفِ واللامِ، وذلك أن "أُخَر" جمع أُخْرى، وأُخْرَى تأنيث "آخَر" وآخَرُ أَفعَلُ تفضيلٍ، وأفعلُ التفضيل لا يخلو عن أحدِ ثلاثةِ استعمالات: إمَّا مع أل وإمَّا مع "مِنْ" وإمَّا مع الإِضافة. لكنَّ "مِنْ ممتنعةٌ لأنَّها معها يَلْزَمُ الإِفرادُ والتذكير، ولا إضافة / في اللفظِ، فَقَدَّرْنَا عَدْلَه عن الألفِ واللامِ، وهذا كما قالوا في "سَحَر" إنه عَدْلٌ عن الألفِ واللامِ إلاَّ أنَّ هذا مع العَلَمِيَّةِ. ومذهبُ سيبويه أنه عَدْلٌ من صيغةً إلى صيغة لأنه كان حقُّ الكلام في قولك: "مررت بنسوة أُخَرَ" على وزن فُعَل أن يكونَ "بنسوة آخَرَ" على وزن أَفْعَل لأنَّ المعنى على تقديِ مِنْ، فَعُدِلَ عن المفردِ إلى الجمع. ولتحقيقِ المذهبين موضعٌ هو أليقُ به من هذا.
وأما الضَّرْب الثاني فهو مُنْصَرِفٌ لِفُقْدَانِ العلةِ المذكورةِ. والفرقُ بين "أُخْرَى" التي للتفضيل و "أُخرى" التي بمعنى متأخرة أنَّ معنى التي للتفضيلِ معنى "غير" ومعنى تَيْكُ معنى متأخرة، ولكونِ الأولى بمعنى "غير" لا يجوزُ أن يكونَ ما اتصل بها إلا مِنْ جنسِ ما قبلَها نحو: "مررتُ بك وبرجلٍ آخرَ" ولا يجوزُ: اشتريت هذا الجَمَل وفرساً آخرَ لأنه من غيرِ الجنس. وأمَّا قوله:
٨٣٩ - صَلَّى على عَزَّةَ الرحمانُ وابنتِها * ليلى وصَلَّى على جارتِها الأُخَرِ
فإنه جعل ابنتَها جارةً لها، ولولا ذلك لم يَجُزْ. ومعنا التفضيل في آخَر وأوَّل وما تصرَّف منهما قلقٌ، وتحقيقُ ذلك في كتبِ النحوِ، وقد بَيَّنْتُ ذلك في "شرح التسهيل" فَلْيُلتفت إليه.
(٢/٢٥٤)
---


الصفحة التالية
Icon