قوله: ﴿لِّلنَّاسِ﴾ يجوزُ فيه وجهان، أحدُهما: أَنْ يتلَّقَ بـ"هُدَىً" على قولِنا بأنه وَقَعَ مَوْقِعَ "هادٍ"، أي: هادياً للناس. والثاني: أَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ لأنه صفةٌ للنكرةِ قبلَه، ويكونُ محلُّه النصبَ على الصفةِ، ولا يجوزُ أَنْ يكون "هُدَىً" خبر مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: "هو هدى" لأنه عُطِفَ عليه منصوبٌ صريحٌ وهو: "بَيِّنات"، و "بَيِّنات" عطفٌ على الحالِ فهي حالٌ أيضاً، وكِلا الحالَيْنِ لازمةٌ، فإنَّ القرآن لا يكون إلا هُدىً وبيناتٍ، وهذا من باب عطف الخاص على العامَّ، لأنَّ الهدى يكونُ بالأشياء الخفيَّة والجليَّةِ، والبَيِّنات من الأشياء الجَلِيَّة.
قوله: ﴿مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ هذا الجارُّ والمجرورُ صفةٌُ لقوله: "هدىً وبَيِّناتٍ" فمحلُّه النصبُ، ويتعلَّق بمحذوفٍ، أي: إنَّ كَوْنَ القرآنِ هدىً وبّيِّناتٍ" هو من جملةِ هُدَى الله وبَيِّناتِه؛ وعَبَّر عن البيناتِ بالفرقان ولم يأتِ "من الهُدى والبينات" فياطبقْ العجزُ الصدر لأنَّه فيه مزيدٌ معنىً لازم للبينات وهو كونُه يُفَرِّقُ بين الحقِّ والباطلِ، ومتى كان الشيءُ جليَّاً واضحاً حَصَل به الفرقُ، ولأنَّ في لفظِ الفرقانِ تواخيّ الفواصِلِ قبله، فلذلك عَبَّر عن البينات بالفرقان. وقال بعضُهم: "المرادُ بالهُدى الأولِ أصولُ الدياناتِ وبالثاني فروعُها". وقال ابنُ عطية: "اللامُ في الهُدى للعهدِ، والمرادُ الأولُ" يعني أنه تقدَّم نكرةٌ، ثم أُعيد لفظُها معرفاً بأل، وما كان كذلك كانَ الثاني فيه هو الأولَ نحو قولِه: ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾، ومِنْ هنا قال ابن عباس: "لن يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن" وضابطُ هذا أَنْ يَحُلَّ محلَّ الثاني ضميرُ النكرةِ الأولى، ألا ترى أنه لو قيل: فعصاه لكان كلاماً صحيحاً".
(٢/٢٦٤)
---