قال الشيخ: "وما قاله ابنُ عطية لا يتأتَّى هنا، لأنه ذَكَرَ هو والمُعْرِبُون أنَّ "هدى" منصوبٌ على الحالَ، والحالُ وَصْفٌ في ذي الحال، وعَطَفَ عليه "وَبيِّنات" فلا يَخْلو قولُه "من الهدى" - والمرادُ به الهدى الأولُ - من أن يكونَ صفةً لقولِه "هُدَىً" أو لقولِهِ "وبيناتٍ" أَوْ لهما، أو متعلِّقاً بلفظ "بينات". لا جائزٌ أن يكونَ صفةً لـ"هدى" لأنه مِنْ حيثُ هو وَصْفٌ لزم أن يكونَ بعضاً، ومن حيث هو الأولُ لَزِم أن يكونَ إياه، والشيء الواحدُ لا يكونُ بعضاً كُلاًّ بالنسبةِ لماهِيَّته، ولا جائزٌ أَنْ يكونَ صفةً لبيناتٍ لفقط لأنَّ "وبينات" معطوفٌ على "هُدَى" و "هُدَى" حالٌ، والمعطوفُ على الحالِ حالٌ، والحالانِ وصفٌ في ذي الحال، فمِنْ حيثُ كونُهما حالَيْن تَخَصَّص بهما ذو الحال إذ هما وَصْفان، ومِنْ حيثُ وُصِفَتْ "بَيِّنات" بقوله: "مِنَ الهدى" خَصَصْناها به / فتوقَّفَ تخصيصُ القرآن على قوله: "هُدَىً وَبَيَّنات" معاً، ومن حيثُ جَعَلْتَ "مِنَ الهدى" صفةً لبيِّنات وتَوَقَّفَ تخصيصُ "بيِّنات" على "هُدَى" فَلَزِمَ من ذلك تخصيصُ الشيءِ بنفسِه وهو مُحالٌ. ولا جائزٌ أَنْ يَكونَ صفةً لهما لأنه يَفْسُدُ من الوجهينِ المذكورينِ مِنْ كونِه وَصَفَ الهدى فقط، أو بينات فقط.
ولا جائزٌ أَنْ يتعلَّق بلفِظِ "بينات" لأنَّ المتعلَّقَ قَيْدٌ في المتعلَّقِ به، فهو كالوصفِ فيمتنع من حيثُ يمتنعُ الوصفُ، وأيضاً فلو جَعَلْتَ هنا مكانَ الهدى ضميراً فقلْتَ: منه، أي: من ذلك الهُدى لم يَصِحَّ، فلذلك اخْتَرْنا أن يكونَ الهُدى والفرقانُ عامَّيْنِ حتى يكونَ هُدَى وبينات بعضاً منهما".
(٢/٢٦٥)
---